فصل: كتاب الرَّهْنِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: منهاج الطالبين وعمدة المتقين ***


كتاب السَّلَمِ

هُوَ بَيْعُ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ يُشْتَرَطُ لَهُ مَعَ شُرُوطِ الْبَيْعِ أُمُورٌ‏:‏ أَحَدُهَا تَسْلِيمُ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ فَلَوْ أُطْلِقَ ثُمَّ عَيَّنَ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ‏.‏

وَلَوْ أَحَالَ بِهِ وَقَبَضَهُ الْمُحَالُ فِي الْمَجْلِسِ فَلَا‏.‏

وَلَوْ قَبَضَهُ وَأُودَعَهُ الْمُسْلِمُ جَازَ، وَيَجُوزُ كَوْنُهُ مَنْفَعَةً، وَتُقْبَضُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ‏.‏

وَإِذَا فُسِخَ السَّلَمُ وَرَأْسُ الْمَالِ بَاقٍ اسْتَرَدَّهُ بِعَيْنِهِ، وَقِيلَ‏:‏ لَلْمُسْلَمِ إلَيْهِ رَدُّ بَدَلِهِ إنْ عَيَّنَ فِي الْمَجْلِسِ دُونَ الْعَقْدِ، وَرُؤْيَةُ رَأْسِ الْمَالِ تَكْفِي عَنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

الثَّانِي كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ دَيْنًا فَلَوْ قَالَ أَسْلَمْت إلَيْك هَذَا الثَّوْبَ فِي هَذَا الْعَبْدِ فَلَيْسَ بِسَلَمٍ وَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعًا فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

وَلَوْ قَالَ اشْتَرَيْت مِنْك ثَوْبًا صِفَتُهُ كَذَا بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ فَقَالَ بِعْتُكَ انْعَقَدَ بَيْعًا وَقِيلَ سَلَمًا‏.‏

الثَّالِثُ‏:‏ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ بِمَوْضِعٍ لَا يَصْلُحُ لِلتَّسْلِيمِ، أَوْ يَصْلُحُ وَلِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ اُشْتُرِطَ بَيَانُ مَحَلِّ التَّسْلِيمِ وَإِلَّا فَلَا‏.‏

وَيَصِحُّ حَالًّا وَمُؤَجَّلاً فَإِنْ أَطْلَقَ انْعَقَدَ حَالًّا، وَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ‏.‏

وَيُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِالْأَجَلِ‏.‏

فَإِنْ عَيَّنَ شُهُورَ الْعَرَبِ أَوْ الْفُرْسِ أَوْ الرُّومِ جَازَ‏.‏

وَإِنْ أَطْلَقَ حُمِلَ عَلَى الْهِلَالِيِّ، فَإِنْ انْكَسَرَ شَهْرٌ حَسِبَ الْبَاقِيَ بِالْأَهِلَّةِ وَتُمِّمَ الْأَوَّلُ ثَلَاثِينَ، وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ تَأْجِيلِهِ بِالْعِيدِ وَجُمَادَى، وَيُحْمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ‏.‏

فصل ‏[‏في بقية الشروط السبعة‏]‏

يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ عِنْدَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ‏.‏

فَإِنْ كَانَ يُوجَدُ بِبَلَدٍ آخَرَ صَحَّ إنْ اُعْتِيدَ نَقْلُهُ لِلْبَيْعِ، وَإِلَّا فَلَا‏.‏

وَلَوْ أَسْلَمَ فِيمَا يَعُمُّ فَانْقَطَعَ فِي مَحِلِّهِ لَمْ يَنْفَسِخْ فِي الْأَظْهَرِ، فَيُتَخَيَّرُ الْمُسْلِمُ بَيْنَ فَسْخِهِ، وَالصَّبْرِ حَتَّى يُوجَدَ‏.‏

وَلَوْ عَلِمَ قَبْلَ الْمَحِلِّ انْقِطَاعَهُ عِنْدَهُ فَلَا خِيَارَ قَبْلَهُ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَكَوْنُهُ مَعْلُومَ الْقَدْرِ كَيْلاً أَوْ وَزْنًا أَوْ عَدًّا أَوْ ذَرْعًا، وَيَصِحُّ الْمَكِيلُ وَزْنًا وَعَكْسُهُ‏.‏

وَلَوْ أَسْلَمَ فِي مِائَةِ صَاعٍ حِنْطَةً عَلَى أَنَّ وَزْنَهَا كَذَا لَمْ يَصِحَّ، وَيُشْتَرَطُ الْوَزْنُ فِي الْبِطِّيخِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالْقِثَّاءِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالرُّمَّانِ‏.‏

وَيَصِحُّ فِي الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ بِالْوَزْنِ فِي نَوْعٍ يَقِلُّ اخْتِلَافُهُ، وَكَذَا كَيْلاً فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَيُجْمَعُ فِي اللَّبِنِ بَيْنَ الْعَدِّ وَالْوَزْنِ، وَلَوْ عَيَّنَ مِكْيَالاً فَسَدَ إنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَادًا، وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَلَوْ أَسْلَمَ فِي ثَمَرِ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ لَمْ يَصِحَّ، أَوْ عَظِيمَةٍ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَمَعْرِفَةُ الْأَوْصَافِ الَّتِي يَخْتَلِفُ بِهَا الْغَرَضُ اخْتِلَافًا ظَاهِرًا، وَذِكْرُهَا فِي الْعَقْدِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُؤَدِّي إلَى عِزَّةِ الْوُجُودِ‏.‏

فَلَا يَصِحُّ فِيمَا لَا يَنْضَبِطُ مَقْصُودُهُ كَالْمُخْتَلِطِ الْمَقْصُودِ الْأَرْكَانِ كَهَرِيسَةٍ وَمَعْجُونٍ وَغَالِيَةٍ وَخُفٍّ وَتِرْيَاقٍ مَخْلُوطٍ، وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ فِي الْمُخْتَلِطِ الْمُنْضَبِطِ كَعَتَّابِيٍّ وَخَزٍّ وَجُبْنٍ وَأَقِطٍ وَشَهْدٍ وَخَلِّ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ، لَا الْخُبْزِ فِي الْأَصَحِّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ‏.‏

وَلَا يَصِحُّ فِيمَا يَنْدُرُ وُجُودُهُ كَلَحْمِ الصَّيْدِ بِمَوْضِعِ الْعِزَّةِ، وَلَا فِيمَا لَوْ اُسْتُقْصِيَ وَصْفُهُ عَزَّ وُجُودُهُ كَاللُّؤْلُؤِ الْكِبَارِ وَالْيَوَاقِيتِ وَجَارِيَةٍ وَأُخْتِهَا أَوْ وَلَدِهَا‏.‏

فرع ‏[‏في محل السلم وشروطه‏]‏

يَصِحُّ فِي الْحَيَوَانِ فَيُشْتَرَطُ فِي الرَّقِيقِ ذِكْرُ نَوْعِهِ كَتُرْكِيٍّ وَلَوْنِهِ كَأَبْيَضَ، وَيَصِفُ بَيَاضَهُ بِسُمْرَةٍ أَوْ شُقْرَةٍ، وَذُكُورَتَهُ وَأُنُوثَتَهُ، وَسِنَّهُ وَقَدَّهُ طُولاً وَقِصَرًا، وَكُلُّهُ عَلَى التَّقْرِيبِ، وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْكَحَلِ وَالسِّمَنِ وَنَحْوُهُمَا فِي الْأَصَحِّ، وَفِي الْإِبِلِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ الذُّكُورَةُ وَالْأُنُوثَةُ، وَالسِّنُّ وَاللَّوْنُ وَالنَّوْعُ‏.‏

وَفِي الطَّيْرِ النَّوْعُ وَالصِّغَرُ وَكِبَرُ الْجُثَّةِ‏.‏

وَفِي اللَّحْمِ لَحْمُ بَقَرٍ، أَوْ ضَأْنٍ أَوْ مَعْزٍ ذَكَرٍ خَصِيٍّ رَضِيعٍ مَعْلُوفٍ أَوْ ضِدِّهَا مِنْ فَخِذٍ أَوْ كَتِفٍ أَوْ جَنْبٍ، وَيُقْبَلُ عَظْمُهُ عَلَى الْعَادَةِ‏.‏

وَفِي الثِّيَابِ الْجِنْسُ وَالطُّولُ وَالْعَرْضُ وَالْغِلَظُ وَالدِّقَّةُ وَالصَّفَاقَةُ وَالرِّقَّةُ وَالنُّعُومَةُ وَالْخُشُونَةُ، وَمُطْلَقُهُ يُحْمَلُ عَلَى الْخَامِ، وَيَجُوزُ فِي الْمَقْصُورِ، وَفِيمَا صُبِغَ غَزْلُهُ قَبْلَ النَّسْجِ كَالْبُرُودِ، وَالْأَقْيَسُ صِحَّتُهُ فِي الْمَصْبُوغِ بَعْدَهُ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ الْأَصَحُّ مَنْعُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَفِي التَّمْرِ لَوْنُهُ وَنَوْعُهُ وَبَلَدُهُ، وَصِغَرُ الْحَبَّاتِ وَكِبَرُهَا وَعِتْقُهُ وَحَدَاثَتُهُ، وَالْحِنْطَةُ وَسَائِرُ الْحُبُوبِ كَالتَّمْرِ‏.‏

وَفِي الْعَسَلِ جَبَلِيٌّ أَوْ بَلَدِيٌّ صَيْفِيٌّ، أَوْ خَرِيفِيٌّ أَبْيَضُ أَوْ أَصْفَرُ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْعِتْقُ وَالْحَدَاثَةُ‏.‏

وَلَا يَصِحُّ فِي الْمَطْبُوخِ وَالْمَشْوِيِّ، وَلَا يَضُرُّ تَأْثِيرُ الشَّمْسِ‏.‏

وَالْأَظْهَرُ مَنْعُهُ فِي رُءُوسِ الْحَيَوَانِ، وَلَا يَصِحُّ فِي مُخْتَلِفٍ كَبُرْمَةٍ مَعْمُولَةٍ وَجِلْدٍ وَكُوزٍ وَطَسٍّ وَقُمْقُمٍ وَمَنَارَةٍ وَطِنْجِيرٍ وَنَحْوِهَا‏.‏

وَيَصِحُّ فِي الْأَسْطَالِ الْمُرَبَّعَةِ وَفِيمَا صُبَّ فِي قَالِبٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ فِي الْأَصَحِّ وَيُحْمَلُ مُطْلَقُهُ عَلَى الْجَيِّدِ، وَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْعَاقِدَيْنِ الصِّفَاتِ وَكَذَا غَيْرُهُمَا فِي الْأَصَحِّ

فصل ‏[‏في بيان أخذ غير المسلم فيه عنه ووقت أدائه ومكانه‏]‏

لَا يَصِحُّ أَنْ يُسْتَبْدَلَ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ غَيْرُ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ‏.‏

وَقِيلَ يَجُوزُ فِي نَوْعِهِ وَلَا يَجِبُ قَبُولُهُ، وَيَجُوزُ أَرْدَأَ مِنْ الْمَشْرُوطِ وَلَا يَجِبُ، وَيَجُوزُ أَجْوَدُ أَوْ يَجِبُ قَبُولُهُ فِي الْأَصَحِّ وَلَوْ أَحْضَرَهُ قَبْلَ مَحِلِّهِ فَامْتَنَعَ الْمُسْلِمُ مِنْ قَبُولِهِ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ بِأَنْ كَانَ حَيَوَانًا أَوْ وَقْتَ غَارَةٍ لَمْ يُجْبَرْ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ لِلْمُؤَدِّي غَرَضٌ صَحِيحٌ كَفَكِّ رَهْنٍ أُجْبِرَ، وَكَذَا لِمُجَرَّدِ غَرَضِ الْبَرَاءَةِ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

وَلَوْ وَجَدَ الْمُسْلِمُ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ بَعْدَ الْمَحِلِّ فِي غَيْرِ مَحَلِّ التَّسْلِيمِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْأَدَاءُ إنْ كَانَ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ، وَلَا يُطَالِبُهُ بِقِيمَتِهِ لِلْحَيْلُولَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ قَبُولِهِ هُنَاكَ لَمْ يُجْبَرْ إنْ كَانَ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ، أَوْ كَانَ الْمَوْضِعُ مَخُوفًا، وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ إجْبَارُهُ‏.‏

فصل ‏[‏في القرض‏]‏

الْإِقْرَاضُ مَنْدُوبٌ‏.‏

وَصِيغَتُهُ أَقْرَضْتُكَ أَوْ أَسْلَفْتُكَ أَوْ خُذْهُ بِمِثْلِهِ، أَوْ مَلَّكْتُكَهُ عَلَى أَنْ تَرُدَّ بَدَلَهُ‏.‏

وَيُشْتَرَطُ قَبُولُهُ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَفِي الْمُقْرِضِ أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ، وَيَجُوزُ إقْرَاضُ مَا يُسْلَمُ فِيهِ إلَّا الْجَارِيَةَ الَّتِي تَحِلُّ لِلْمُقْتَرِضِ فِي الْأَظْهَرِ، وَمَا لَا يُسْلَمُ فِيهِ لَا يَجُوزُ إقْرَاضُهُ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَيُرَدُّ الْمِثْلُ فِي الْمِثْلِيِّ، وَفِي الْمُتَقَوِّمِ الْمِثْلُ صُورَةً، وَقِيلَ الْقِيمَةُ وَلَوْ ظَفِرَ بِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْإِقْرَاضِ وَلِلنَّقْلِ مُؤْنَةٌ طَالَبَهُ بِقِيمَةِ بَلَدِ الْإِقْرَاضِ‏.‏

وَلَا يَجُوزُ بِشَرْطِ رَدِّ صَحِيحٍ عَنْ مُكَسَّرٍ أَوْ زِيَادَةٍ، وَلَوْ رَدَّ هَكَذَا بِلَا شَرْطٍ فَحَسَنٌ‏.‏

وَلَوْ شَرَطَ مُكَسَّرًا عَنْ صَحِيحٍ أَوْ أَنْ يُقْرِضَهُ غَيْرَهُ لَغَا الشَّرْطُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ‏.‏

وَلَوْ شَرَطَ أَجَلاً فَهُوَ كَشَرْطِ مُكَسَّرٍ عَنْ صَحِيحٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُقْرِضِ غَرَضٌ، وَإِنْ كَانَ كَزَمَنِ نَهْبٍ فَكَشَرْطِ صَحِيحٍ عَنْ مُكَسَّرٍ فِي الْأَصَحِّ، وَلَهُ شَرْطُ رَهْنٍ وَكَفِيلٍ‏.‏

وَيَمْلِكُ الْقَرْضَ بِالْقَبْضِ، وَفِي قَوْلٍ بِالتَّصَرُّفِ‏.‏

وَلَهُ الرُّجُوعُ فِي عَيْنِهِ مَا دَامَ بَاقِيًا بِحَالِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

كتاب الرَّهْنِ

لَا يَصِحُّ إلَّا بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ فَإِنْ شُرِطَ فِيهِ مُقْتَضَاهُ كَتَقَدُّمِ الْمُرْتَهِنِ بِهِ أَوْ مَصْلَحَةٌ لِلْعَقْدِ كَالْإِشْهَادِ أَوْ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ صَحَّ الْعَقْدُ‏.‏

وَإِنْ شُرِطَ مَا يَضُرُّ الْمُرْتَهِنَ بَطَلَ الرَّهْنُ، وَإِنْ نَفَعَ الْمُرْتَهِنَ وَضَرَّ الرَّاهِنَ كَشَرْطِ مَنْفَعَتِهِ لِلْمُرْتَهِنِ بَطَلَ الشَّرْطُ، وَكَذَا‏:‏ الرَّهْنُ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

وَلَوْ شُرِطَ أَنْ تَحْدُثَ زَوَائِدُهُ مَرْهُونَةً فَالْأَظْهَرُ فَسَادُ الشَّرْطِ، وَأَنَّهُ مَتَى فَسَدَ فَسَدَ الْعَقْدُ‏.‏

وَشَرْطُ الْعَاقِدِ كَوْنُهُ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ فَلَا يَرْهَنُ الْوَلِيُّ مَالَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَلَا يَرْتَهِنُ لَهُمَا إلَّا لِضَرُورَةٍ أَوْ غِبْطَةٍ ظَاهِرَةٍ‏.‏

وَشَرْطُ الرَّهْنِ كَوْنُهُ عَيْنًا فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَيَصِحُّ رَهْنُ الْمُشَاعِ وَالْأُمِّ دُونَ وَلَدِهَا وَعَكْسُهُ، وَعِنْدَ الْحَاجَةِ يُبَاعَانِ وَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ وَالْأَصَحُّ أَنْ تُقَوَّمَ الْأُمُّ وَحْدَهَا ثُمَّ مَعَ الْوَلَدِ فَالزَّائِدُ قِيمَتُهُ‏.‏

وَرَهْنُ الْجَانِي وَالْمُرْتَدِّ كَبَيْعِهِمَا‏.‏

وَرَهْنُ الْمُدَبَّرِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ يُمْكِنُ سَبْقُهَا حُلُولَ الدَّيْنِ بَاطِلٌ عَلَى الْمَذْهَبِ‏.‏

وَلَوْ رَهَنَ مَا يَسْرُعُ فَسَادُهُ فَإِنْ أَمْكَنَ تَجْفِيفُهُ كَرُطَبٍ فَعَلَ، وَإِلَّا رَهَنَهُ بِدَيْنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ يَحِلُّ قَبْلَ فَسَادِهِ أَوْ شَرَطَ بَيْعَهُ وَجَعَلَ الثَّمَنَ رَهْنًا صَحَّ، وَيُبَاعُ عِنْدَ خَوْفِ فَسَادِهِ وَيَكُونُ ثَمَنُهُ رَهْنًا، وَإِنْ شَرَطَ مَنْعَ بَيْعِهِ لَمْ يَصِحَّ‏.‏

وَإِنْ أَطْلَقَ فَسَدَ فِي الْأَظْهَرِ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ هَلْ يَفْسُدُ قَبْلَ الْأَجَلِ صَحَّ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

وَإِنْ رَهَنَ مَا لَا يَسْرُعُ فَسَادُهُ فَطَرَأَ مَا عَرَّضَهُ لِلْفَسَادِ كَحِنْطَةٍ ابْتَلَّتْ لَمْ يَنْفَسِخْ الرَّهْنُ بِحَالٍ‏.‏

وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَعِيرَ شَيْئًا لِيَرْهَنَهُ، وَهُوَ فِي قَوْلٍ عَارِيَّةٌ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ ضَمَانُ دَيْنٍ فِي رَقَبَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ فَيُشْتَرَطُ ذِكْرُ جِنْسِ الدَّيْنِ وَقَدْرِهِ وَصِفَتِهِ، وَكَذَا الْمَرْهُونُ عِنْدَهُ فِي الْأَصَحِّ، فَلَوْ تَلِفَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَلَا ضَمَانَ وَلَا رُجُوعَ لِلْمَالِكِ بَعْدَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ أَوْ كَانَ حَالًّا رُوجِعَ الْمَالِكُ لِلْبَيْعِ‏.‏

وَيُبَاعُ إنْ لَمْ يَقْضِ الدَّيْنَ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَالِكُ بِمَا بِيعَ بِهِ‏.‏

فصل ‏[‏في شروط المرهون به ولزوم الرهن‏]‏

شَرْطُ الْمَرْهُونِ بِهِ كَوْنُهُ دَيْنًا ثَابِتًا لَازِمًا‏.‏

فَلَا يَصِحُّ بِالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْمُسْتَعَارَةِ فِي الْأَصَحِّ وَلَا بِمَا سَيُقْرِضُهُ‏.‏

وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَقْرَضْتُك هَذِهِ الدَّرَاهِمَ وَارْتَهَنْتُ بِهَا عَبْدَكَ فَقَالَ اقْتَرَضْتُ وَرَهَنْتُ أَوْ قَالَ بِعْتُكَهُ بِكَذَا وَارْتَهَنْتُ الثَّوْبَ بِهِ فَقَالَ اشْتَرَيْتُ وَرَهَنْتُ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَصِحُّ بِنُجُومِ الْكِتَابَةِ وَلَا بِجَعْلِ الْجَعَالَةِ قَبْلَ الْفَرَاغِ، وَقِيلَ يَجُوزُ بَعْدَ الشُّرُوعِ‏.‏

وَيَجُوزُ بِالثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ‏.‏

وَبِالدَّيْنِ رَهْنٌ بَعْدَ رَهْنٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَهُ الْمَرْهُونَ عِنْدَهُ بِدَيْنٍ آخَرَ فِي الْجَدِيدِ‏.‏

وَلَا يَلْزَمُ إلَّا بِقَبْضِهِ مِمَّنْ يَصِحُّ عَقْدُهُ وَتَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ لَكِنْ لَا يَسْتَنِيبُ الرَّاهِنَ وَلَا عَبْدَهُ، وَفِي الْمَأْذُونِ لَهُ وَجْهٌ، وَيَسْتَنِيبُ مُكَاتَبَهُ وَلَوْ رَهَنَ وَدِيعَةً عِنْدَ مُودِعٍ أَوْ مَغْصُوبًا عِنْدَ غَاصِبٍ لَمْ يَلْزَمْ مَا لَمْ يَمْضِ زَمَنُ إمْكَانِ قَبْضِهِ، وَالْأَظْهَرُ اشْتِرَاطُ إذْنِهِ فِي قَبْضِهِ وَلَا يُبَرِّئُهُ ارْتِهَانُهُ عَنْ الْغَصْبِ، وَيُبَرِّئُهُ الْإِيدَاعُ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَيَحْصُلُ الرُّجُوعُ عَنْ الرَّهْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِتَصَرُّفٍ يُزِيلُ الْمِلْكَ كَهِبَةٍ مَقْبُوضَةٍ وَبِرَهْنٍ مَقْبُوضٍ وَكِتَابَةٍ وَكَذَا تَدْبِيرُهُ فِي الْأَظْهَرِ وَبِإِحْبَالِهَا، لَا الْوَطْءِ وَالتَّزْوِيجِ‏.‏

وَلَوْ مَاتَ الْعَاقِدُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ جُنَّ أَوْ تَخَمَّرَ الْعَصِيرُ أَوْ أَبَقَ الْعَبْدُ، لَمْ يَبْطُلْ الرَّهْنُ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ الْمُقْبِضِ تَصَرُّفٌ يُزِيلُ الْمِلْكَ، لَكِنْ فِي إعْتَاقِهِ أَقْوَالٌ أَظْهَرُهَا يَنْفُذُ مِنْ الْمُوسِرِ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ يَوْمَ عِتْقِهِ رَهْنًا، وَإِذَا لَمْ نُنَفِّذْهُ فَانْفَكَّ لَمْ نُنَفِّذْهُ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَلَوْ عَلَّقَهُ بِصِفَةٍ فَوُجِدَتْ وَهُوَ رَهْنٌ فَكَالْإِعْتَاقِ، أَوْ بَعْدَهُ نَفَذَ عَلَى الصَّحِيحِ‏.‏

وَلَا رَهْنُهُ لِغَيْرِهِ، وَلَا التَّزْوِيجُ‏.‏

وَلَا الْإِجَارَةُ إنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ يَحِلُّ قَبْلَهَا، وَلَا الْوَطْءُ، فَإِنْ وَطِئَ فَالْوَلَدُ حُرٌّ، وَفِي نُفُوذِ الِاسْتِيلَادِ أَقْوَالُ الْإِعْتَاقِ، فَإِنْ لَمْ نُنَفِّذْهُ فَانْفَكَّ نَفَذَ فِي الْأَصَحِّ، فَلَوْ مَاتَتْ بِالْوِلَادَةِ غَرِمَ قِيمَتَهَا رَهْنًا فِي الْأَصَحِّ، وَلَهُ كُلُّ انْتِفَاعٍ لَا يَنْقُصُهُ كَالرُّكُوبِ وَالسُّكْنَى، لَا الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَقْلَعْ قَبْلَ الْأَجَلِ وَبَعْدَهُ إنْ لَمْ تَفِ الْأَرْضُ بِالدَّيْنِ وَزَادَتْ بِهِ‏.‏

ثُمَّ أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِغَيْرِ اسْتِرْدَادٍ لَمْ يَسْتَرِدَّ وَإِلَّا فَيَسْتَرِدُّ‏.‏

وَيُشْهِدُ إنْ اتَّهَمَهُ وَلَهُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ مَا مَنَعْنَاهُ‏.‏

وَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ تَصَرُّفِ الرَّاهِنِ، فَإِنْ تَصَرَّفَ جَاهِلاً بِرُجُوعِهِ فَكَتَصَرُّفِ وَكِيلٍ جَهِلَ عَزْلَهُ‏.‏

وَلَوْ أَذِنَ فِي بَيْعِهِ لِيُعَجِّلَ الْمُؤَجِّلَ مِنْ ثَمَنِهِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ‏.‏

وَكَذَا لَوْ شَرَطَ رَهْنَ الثَّمَنِ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

فصل ‏[‏فيما يترتب على لزوم الرهن‏]‏

إذَا لَزِمَ الرَّهْنُ فَالْيَدُ فِيهِ لِلْمُرْتَهِنِ وَلَا تُزَالُ إلَّا لِلِانْتِفَاعِ كَمَا سَبَقَ وَلَوْ شَرَطَا وَضْعَهُ عِنْدَ عَدْلٍ جَازَ، أَوْ عِنْدَ اثْنَيْنِ وَنَصَّا عَلَى اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى حِفْظِهِ أَوْ الِانْفِرَادِ بِهِ فَذَاكَ‏.‏

وَإِنْ أَطْلَقَا فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَلَوْ مَاتَ الْعَدْلُ أَوْ فَسَقَ جَعَلَاهُ حَيْثُ يَتَّفِقَانِ، وَإِنْ تَشَاحَّا وَضَعَهُ الْحَاكِمُ عِنْدَ عَدْلٍ‏.‏

وَيَسْتَحِقُّ بَيْعَ الْمَرْهُونِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَيُقَدَّمُ الْمُرْتَهِنُ بِثَمَنِهِ وَيَبِيعُهُ الرَّاهِنُ أَوْ وَكِيلُهُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ قَالَ لَهُ الْحَاكِمُ تَأْذَنُ أَوْ تُبْرِئُ، وَلَوْ طَلَبَ الْمُرْتَهِنُ بَيْعَهُ فَأَبَى الرَّاهِنُ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي قَضَاءَ الدَّيْنِ أَوْ بَيْعَهُ، فَإِنْ أَصَرَّ بَاعَهُ الْحَاكِمُ‏.‏

وَلَوْ بَاعَهُ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ بَاعَ بِحَضْرَتِهِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا‏.‏

وَلَوْ شُرِطَ أَنْ يَبِيعَهُ الْعَدْلُ جَازَ، وَلَا يُشْتَرَطُ مُرَاجَعَةُ الرَّاهِنِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِذَا بَاعَ فَالثَّمَنُ عِنْدَهُ مِنْ ضَمَانِ الرَّاهِنِ حَتَّى يَقْبِضُهُ الْمُرْتَهِنُ‏.‏

وَلَوْ تَلِفَ ثَمَنُهُ فِي يَدِ الْعَدْلِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْمَرْهُونُ فَإِنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي رَجَعَ عَلَى الْعَدْلِ، وَإِنْ شَاءَ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْقَرَارُ عَلَيْهِ‏.‏

وَلَا يَبِيعُ الْعَدْلُ إلَّا بِثَمَنِ مِثْلِهِ حَالًّا مِنْ نَقْدِ بَلَدِهِ، فَإِنْ زَادَ رَاغِبٌ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ فَلْيَفْسَخْ وَلْيَبِعْهُ‏.‏

وَمُؤْنَةُ الْمَرْهُونِ عَلَى الرَّاهِنِ، وَيُجْبَرُ عَلَيْهَا لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الصَّحِيحِ‏.‏

وَلَا يُمْنَعُ الرَّاهِنِ مِنْ مَصْلَحَةِ الْمَرْهُونِ كَفَصْدٍ وَحِجَامَةٍ، وَهُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدَ الْمُرْتَهِنَ، وَلَا يَسْقُطُ بِتَلَفِهِ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ‏.‏

وَحُكْمُ فَاسِدِ الْعُقُودِ حُكْمُ صَحِيحِهَا فِي الضَّمَانِ‏.‏

وَلَوْ شَرَطَ كَوْنَ الْمَرْهُونِ مَبِيعًا لَهُ عِنْدَ الْحُلُولِ فَسَدَ، وَهُوَ قَبْلَ الْمَحِلِّ أَمَانَةٌ‏.‏

وَيُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ فِي دَعْوَى التَّلَفِ بِيَمِينِهِ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي الرَّدِّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ‏.‏

وَلَوْ وَطِئَ الْمُرْتَهِنُ الْمَرْهُونَةَ بِلَا شُبْهَةٍ فَزَانٍ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ جَهِلْتُ تَحْرِيمَهُ إلَّا أَنْ يَقْرُبَ إسْلَامُهُ أَوْ يَنْشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ وَإِنْ وَطِئَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ قُبِلَ دَعْوَاهُ جَهْلَ التَّحْرِيمِ فِي الْأَصَحِّ فَلَا حَدَّ، وَيَجِبُ الْمَهْرُ إنْ أَكْرَهَهَا، وَالْوَلَدُ حُرٌّ نَسِيبٌ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِلرَّاهِنِ‏.‏

وَلَوْ أَتْلَفَ الْمَرْهُونَ وَقَبَضَ بَدَلَهُ صَارَ رَهْنًا، وَالْخَصْمُ فِي الْبَدَلِ الرَّاهِنُ، فَإِنْ لَمْ يُخَاصِمْ لَمْ يُخَاصِمْ الْمُرْتَهِنُ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

فَلَوْ وَجَبَ قِصَاصٌ اقْتَصَّ الرَّاهِنُ وَفَاتَ الرَّهْنُ، فَإِنْ وَجَبَ الْمَالُ بِعَفْوِهِ أَوْ بِجِنَايَةِ خَطَإٍ لَمْ يَصِحَّ عَفْوُهُ عَنْهُ وَلَا إبْرَاءُ الْمُرْتَهِنِ الْجَانِي وَلَا يَسْرِي الرَّهْنُ إلَى زِيَادَتِهِ الْمُنْفَصِلَةِ كَثَمَرَةٍ وَوَلَدٍ، فَلَوْ رَهَنَ حَامِلاً وَحَلَّ الْأَجَلُ وَهِيَ حَامِلٌ بِيعَتْ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ بِيعَ مَعَهَا فِي الْأَظْهَرِ، فَإِنْ كَانَتْ حَامِلاً عِنْدَ الْبَيْعِ الرَّهْنِ فَالْوَلَدُ لَيْسَ بِرَهْنٍ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

فصل ‏[‏في جناية المرهون‏]‏

جَنَى الْمَرْهُونُ قُدِّمَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ‏.‏

فَإِنْ اقْتَصَّ أَوْ بِيعَ لَهُ بَطَلَ الرَّهْنُ، وَإِنْ جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ فَاقْتَصَّ بَطَلَ‏.‏

وَإِنْ عُفِيَ عَلَى مَالٍ لَمْ يَثْبُتْ عَلَى الصَّحِيحِ فَيَبْقَى رَهْنًا‏.‏

وَإِنْ قَتَلَ مَرْهُونًا لِسَيِّدِهِ عِنْدَ آخَرَ فَاقْتَصَّ بَطَلَ الرَّهْنَانِ، وَإِنْ وَجَبَ مَالٌ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ مُرْتَهِنِ الْقَتِيلِ، فَيُبَاعُ وَثَمَنُهُ رَهْنٌ، وَقِيلَ يَصِيرُ رَهْنًا‏.‏

فَإِنْ كَانَا مَرْهُونَيْنِ عِنْدَ شَخْصٍ بِدَيْنٍ وَاحِدٍ نَقَصَتْ الْوَثِيقَةُ، أَوْ بِدَيْنَيْنِ وَفِي نَقْلِ الْوَثِيقَةِ غَرَضٌ نُقِلَتْ‏.‏

وَلَوْ تَلِفَ مَرْهُونٌ بِآفَةٍ بَطَلَ‏.‏

وَيَنْفَكُّ بِفَسْخِ الْمُرْتَهِنِ وَبِالْبَرَاءَةِ مِنْ الدَّيْنِ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْهُ لَمْ يَنْفَكَّ شَيْءٌ مِنْ الرَّهْنِ‏.‏

وَلَوْ رَهَنَ نِصْفَ عَبْدٍ بِدَيْنٍ وَنِصْفَهُ بِآخَرَ فَبَرِئَ مِنْ أَحَدِهِمَا انْفَكَّ قِسْطُهُ، وَلَوْ رَهَنَاهُ فَبَرِئَ أَحَدُهُمَا انْفَكَّ نَصِيبُهُ‏.‏

فصل ‏[‏في الاختلاف في الرهن وما يتعلق به‏]‏

اخْتَلَفَا فِي الرَّهْنِ أَوْ قَدْرِهِ صُدِّقَ الرَّاهِنُ بِيَمِينِهِ إنْ كَانَ رَهْنَ تَبَرُّعٍ‏.‏

وَإِنْ شُرِطَ فِي بَيْعٍ تَحَالَفَا‏.‏

وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُمَا رَهَنَاهُ عَبْدَهُمَا بِمِائَةٍ وَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا فَنَصِيبُ الْمُصَدِّقِ رَهْنٌ بِخَمْسِينَ، وَالْقَوْلُ فِي نَصِيبِ الثَّانِي قَوْلُهُ‏:‏ بِيَمِينِهِ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُصَدِّقِ عَلَيْهِ‏.‏

وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَبْضِهِ فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ أَوْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، وَقَالَ الرَّاهِنُ غَصَبَتْهُ صُدِّقَ الرَّاهِنُ بِيَمِينِهِ وَكَذَا إنْ قَالَ‏:‏ أَقْبَضْتُهُ عَنْ جِهَةٍ أُخْرَى فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَلَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِهِ ثُمَّ قَالَ لَمْ يَكُنْ إقْرَارِي عَنْ حَقِيقَةٍ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ، وَقِيلَ لَا يُحَلِّفُهُ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ لِإِقْرَارِهِ تَأْوِيلاً كَقَوْلِهِ أَشْهَدْتُ عَلَى رَسْمِ الْقَبَالَةِ، وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا جَنَى الْمَرْهُونُ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ صُدِّقَ الْمُنْكِرُ بِيَمِينِهِ‏.‏

وَلَوْ قَالَ الرَّاهِنُ جَنَى قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْأَظْهَرُ تَصْدِيقُ الْمُرْتَهِنِ بِيَمِينِهِ فِي إنْكَارِهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ غَرِمَ الرَّاهِنُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ يَغْرَمُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ، وَأَنَّهُ لَوْ نَكَلَ الْمُرْتَهِنُ رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَا عَلَى الرَّاهِنِ، فَإِذَا حَلَفَ بِيعَ فِي الْجِنَايَةِ‏.‏

وَلَوْ أَذِنَ فِي بَيْعِ الْمَرْهُونِ فَبِيعَ وَرَجَعَ عَنْ الْإِذْنِ وَقَالَ رَجَعْتُ قَبْلَ الْبَيْعِ وَقَالَ الرَّاهِنُ بَعْدَهُ فَالْأَصَحُّ تَصْدِيقُ الْمُرْتَهِنِ، وَمَنْ عَلَيْهِ أَلْفَانِ بِأَحَدِهِمَا رَهْنٌ فَأَدَّى أَلْفًا وَقَالَ أَدَّيْتُهُ عَنْ أَلْفِ الرَّهْنِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا جَعَلَهُ عَمَّا شَاءَ، وَقِيلَ يُقَسَّطُ‏.‏

فصل ‏[‏في تعلق الدين بالتركة‏]‏

مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ تَعَلَّقَ بِتَرِكَتِهِ تَعَلُّقَهُ بِالْمَرْهُونِ، وَفِي قَوْلٍ كَتَعَلُّقِ الْأَرْشِ بِالْجَانِي، فَعَلَى الْأَظْهَرِ يَسْتَوِي الدَّيْنُ الْمُسْتَغْرِقُ وَغَيْرُهُ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَلَوْ تَصَرَّفَ الْوَارِثُ وَلَا دَيْنَ ظَاهِرٌ فَظَهَرَ دَيْنٌ بِرَدِّ مَبِيعٍ بِعَيْبٍ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَتَبَيَّنُ فَسَادُ تَصَرُّفِهِ لَكِنَّ إنْ لَمْ يَقْضِ الدَّيْنَ فَسَخَ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ لِلْوَارِثِ إمْسَاكَ عَيْنِ التَّرِكَةِ وَقَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ مَالِهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِزَوَائِدِ التَّرِكَةِ كَكَسْبٍ وَنِتَاجٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

كتاب التَّفْلِيسِ

مَنْ عَلَيْهِ دُيُونٌ حَالَّةٌ زَائِدَةٌ عَلَى مَالِهِ يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِسُؤَالِ الْغُرَمَاءِ وَلَا حَجْرَ بِالْمُؤَجَّلِ، وَإِذَا حُجِرَ بِحَالٍّ لَمْ يَحِلَّ الْمُؤَجَّلُ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَوْ كَانَتْ الدُّيُونُ بِقَدْرِ الْمَالِ فَإِنْ كَانَ كَسُوبًا يُنْفِقُ مِنْ كَسْبِهِ فَلَا حَجْرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَسُوبًا وَكَانَتْ نَفَقَتُهُ مِنْ مَالِهِ فَكَذَا فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَلَا يُحْجَرُ بِغَيْرِ طَلَبٍ فَلَوْ طَلَبَ بَعْضُهُمْ وَدَيْنُهُ قَدْرٌ يُحْجَرُ بِهِ حُجِرَ، وَإِلَّا فَلَا، وَيُحْجَرُ بِطَلَبِ الْمُفْلِسِ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

فَإِذَا حُجِرَ تَعَلَّقَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِمَالِهِ‏.‏

وَأَشْهَدَ عَلَى حَجْرِهِ لِيُحَذِّرَ‏.‏

وَلَوْ بَاعَ أَوْ وَهَبَ أَوْ أَعْتَقَ فَفِي قَوْلٍ يُوقِفُ تَصَرُّفَهُ، فَإِنْ فَضَلَ ذَلِكَ عَنْ الدَّيْنِ نَفَذَ وَإِلَّا لَغَا، وَالْأَظْهَرُ بُطْلَانُهُ فَلَوْ بَاعَ مَالَهُ لِغُرَمَائِهِ بِدَيْنِهِمْ بَطَلَ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ بَاعَ سَلَمًا أَوْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ فَالصَّحِيحُ صِحَّتُهُ وَيَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ‏.‏

وَيَصِحُّ نِكَاحُهُ وَطَلَاقُهُ وَخُلْعُهُ وَاقْتِصَاصُهُ وَإِسْقَاطُهُ، وَلَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ وَجَبَ قَبْلَ الْحَجْرِ فَالْأَظْهَرُ قَبُولُهُ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ، وَإِنْ أَسْنَدَ وُجُوبَهُ إلَى مَا بَعْدَ الْحَجْرِ بِمُعَامَلَةٍ، أَوْ مُطْلَقًا لَمْ يُقْبَلْ فِي حَقِّهِمْ، وَإِنْ قَالَ عَنْ جِنَايَةٍ قُبِلَ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ بِالْعَيْبِ مَا كَانَ اشْتَرَاهُ إنْ كَانَتْ الْغِبْطَةُ فِي الرَّدِّ، وَالْأَصَحُّ تَعَدِّي الْحَجْرَ إلَى مَا حَدَثَ بَعْدَهُ بِالِاصْطِيَادِ وَالْوَصِيَّةِ وَالشِّرَاءِ إنْ صَحَّحْنَاهُ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لِبَائِعِهِ أَنْ يَفْسَخَ، وَيَتَعَلَّقَ بِعَيْنِ مَتَاعِهِ إنْ عَلِمَ الْحَالَ، وَإِنْ جَهِلَ فَلَهُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ التَّعَلُّقُ بِهَا لَا يُزَاحِمُ الْغُرَمَاءَ بِالثَّمَنِ‏.‏

فصل ‏[‏فيما يفعل في مال المحجور عليه بالفلس من بيع وقسمة وغيرهما‏]‏

يُبَادِرُ الْقَاضِي بَعْدَ الْحَجْرِ بِبَيْعِ مَالِهِ وَقَسْمِهِ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ، وَيُقَدِّمُ مَا يَخَافُ فَسَادَهُ، ثُمَّ الْحَيَوَانَ ثُمَّ الْمَنْقُولَ ثُمَّ الْعَقَارَ‏:‏ وَلْيَبِعْ بِحَضْرَةِ الْمُفْلِسِ وَغُرَمَائِهِ‏:‏ كُلَّ شَيْءٍ فِي سُوقِهِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ حَالًّا مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ‏.‏

ثُمَّ إنْ كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ جِنْسِ النَّقْدِ وَلَمْ يَرْضَ الْغَرِيمُ إلَّا بِجِنْسِ حَقِّهِ اشْتَرَى، وَإِنْ رَضِيَ جَازَ صَرْفُ النَّقْدِ إلَيْهِ إلَّا فِي السَّلَمِ‏.‏

وَلَا يُسَلِّمُ مَبِيعًا قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِهِ وَمَا قَبَضَهُ قَسَمَهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ إلَّا أَنْ يَعْسُرَ لِقِلَّتِهِ فَيُؤَخِّرُهُ لِيَجْتَمِعَ، وَلَا يُكَلَّفُونَ بَيِّنَةً بِأَنْ لَا غَرِيمَ غَيْرُهُمْ‏.‏

فَلَوْ قَسَمَ فَظَهَرَ غَرِيمٌ شَارَكَ بِالْحِصَّةِ، وَقِيلَ تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ، وَلَوْ خَرَجَ شَيْءٌ بَاعَهُ قَبْلَ الْحَجْرِ مُسْتَحَقًّا وَالثَّمَنُ تَالِفٌ فَكَدَيْنٍ ظَهَرَ‏.‏

وَإِنْ اُسْتُحِقَّ شَيْءٌ بَاعَهُ الْحَاكِمُ قُدِّمَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ، وَفِي قَوْلٍ يُحَاصُّ الْغُرَمَاءُ‏.‏

وَيُنْفِقُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ حَتَّى يَقْسِمَ مَالَهُ إلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ بِكَسْبٍ، وَيُبَاعُ مَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ احْتَاجَ إلَى خَادِمٍ لِزَمَانَتِهِ وَمَنْصِبِهِ وَيُتْرَكُ لَهُ دَسْتُ ثَوْبٍ يَلِيقُ بِهِ وَهُوَ قَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ وَعِمَامَةٌ وَمِكْعَبٌ وَيُزَادُ فِي الشِّتَاءِ جُبَّةً، وَيُتْرَكُ لَهُ قُوتُ يَوْمِ الْقِسْمَةِ لِمَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ‏.‏

وَلَيْسَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَنْ يَكْتَسِبَ أَوْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ لِبَقِيَّةِ الدَّيْنِ‏.‏

وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ إجَارَةِ أُمِّ وَلَدِهِ وَالْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَيْهِ‏.‏

وَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ مُعْسِرٌ أَوْ قَسَمَ مَالَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ وَأَنْكَرُوا فَإِنْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ فِي مُعَامَلَةِ مَالٍ كَشِرَاءٍ أَوْ قَرْضٍ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ‏.‏

وَإِلَّا فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ فِي الْحَالِ، وَشَرْطُ شَاهِدٍ خِبْرَةُ بَاطِنِهِ، وَلْيَقُلْ هُوَ مُعْسِرٌ، وَلَا يُمَحِّضُ النَّفْيَ كَقَوْلِهِ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، وَإِذَا ثَبَتَ إعْسَارُهُ لَمْ يَجُزْ حَبْسُهُ وَلَا مُلَازَمَتُهُ بَلْ يُمْهَلُ حَتَّى يُوسِرَ‏.‏

وَالْغَرِيبُ الْعَاجِزُ عَنْ بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ يُوَكِّلُ الْقَاضِي بِهِ مَنْ يَبْحَثُ عَنْ حَالِهِ، فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إعْسَارُهُ شَهِدَ بِهِ‏.‏

فصل ‏[‏في رجوع المعامل للمفلس عليه بما عامله به ولم يقبض عوضه‏]‏

مَنْ بَاعَ وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ حَتَّى حُجِرَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْفَلَسِ فَلَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ وَاسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ خِيَارَهُ عَلَى الْفَوْرِ، وَأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْفَسْخُ بِالْوَطْءِ وَالْإِعْتَاقِ وَالْبَيْعِ‏.‏

وَلَهُ الرُّجُوعُ فِي سَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ كَالْبَيْعِ وَلَهُ شُرُوطٌ‏:‏ مِنْهَا كَوْنُ الثَّمَنِ حَالًّا، وَأَنْ يَتَعَذَّرَ حُصُولُهُ بِالْإِفْلَاسِ فَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِ الثَّمَنِ مَعَ يَسَارِهِ أَوْ هَرَبَ فَلَا فَسْخَ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَلَوْ قَالَ الْغُرَمَاءُ لَا تَفْسَخْ وَنُقَدِّمُك بِالثَّمَنِ فَلَهُ الْفَسْخُ‏.‏

وَكَوْنُ الْمَبِيعِ بَاقِيًا فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، فَلَوْ فَاتَ أَوْ كَاتَبَ الْعَبْدَ فَلَا رُجُوعَ‏.‏

وَلَا يَمْنَعُ التَّزْوِيجَ‏.‏

وَلَوْ تَعَيَّبَ بِآفَةٍ أَخَذَهُ نَاقِصًا، أَوْ ضَارَبَ بِالثَّمَنِ أَوْ بِجِنَايَةِ أَجْنَبِيٍّ أَوْ الْبَائِعِ فَلَهُ أَخْذُهُ، وَيُضَارِبُ مِنْ ثَمَنِهِ بِنِسْبَةِ نَقْصِ الْقِيمَةِ، وَجِنَايَةِ الْمُشْتَرِي كَآفَةٍ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ تَلِفَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ ثُمَّ أَفْلَسَ أَخَذَ الْبَاقِي وَضَارَبَ بِحِصَّةِ التَّالِفِ فَلَوْ كَانَ قَبَضَ بَعْضَ الثَّمَنِ رَجَعَ فِي الْجَدِيدِ فَإِنْ تَسَاوَتْ قِيمَتُهُمَا وَقَبَضَ نِصْفَ الثَّمَنِ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِبَاقِي الثَّمَنِ، وَفِي قَوْلٍ يَأْخُذُ نِصْفَهُ بِنِصْفِ بَاقِي الثَّمَنِ وَيُضَارِبُ بِنِصْفِهِ‏.‏

وَلَوْ زَادَ الْمَبِيعُ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً كَسِمَنٍ وَصَنْعَةٍ فَازَ الْبَائِعُ بِهَا، وَالْمُنْفَصِلَةُ كَالثَّمَرَةِ، وَالْوَلَدِ لِلْمُشْتَرِي، وَيَرْجِعُ الْبَائِعُ فِي الْأَصْلِ، فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا وَبَذَلَ الْبَائِعُ قِيمَتَهُ أَخَذَهُ مَعَ أُمِّهِ، وَإِلَّا فَيُبَاعَانِ، وَتُصْرَفُ إلَيْهِ حِصَّةُ الْأُمِّ، وَقِيلَ لَا رُجُوعَ، فَإِنْ كَانَتْ حَامِلاً عِنْدَ الرُّجُوعِ دُونَ الْبَيْعِ أَوْ عَكْسُهُ فَالْأَصَحُّ تَعَدِّي الرُّجُوعِ إلَى الْوَلَدِ، وَاسْتِتَارِ الثَّمَرِ بِكِمَامِهِ وَظُهُورِهِ بِالتَّأْبِيرِ قَرِيبٌ مِنْ اسْتِتَارِ الْجَنِينِ وَانْفِصَالِهِ وَأَوْلَى بِتَعَدِّي الرُّجُوعِ وَلَوْ غَرَسَ الْأَرْضَ أَوْ بَنَى فَإِنْ اتَّفَقَ الْغُرَمَاءُ وَالْمُفْلِسُ عَلَى تَفْرِيغِهَا فَعَلُوا وَأَخَذَهَا، وَإِنْ امْتَنَعُوا لَمْ يُجْبَرُوا، بَلْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَيَمْتَلِكَ الْغِرَاسَ وَالْبِنَاءَ بِقِيمَتِهِ، وَلَهُ أَنْ يَقْلَعَ وَيَضْمَنَ أَرْشَ النَّقْصِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا، وَيَبْقَى الْغِرَاسُ وَالْبِنَاءُ لِلْمُفْلِسِ، وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ حِنْطَةً فَخَلَطَهَا بِمِثْلِهَا أَوْ دُونِهَا فَلَهُ أَخْذُ قَدْرِ الْمَبِيعِ مِنْ الْمَخْلُوطِ، أَوْ بِأَجْوَدَ فَلَا رُجُوعَ فِي الْمَخْلُوطِ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَوْ طَحَنَهَا أَوْ قَصَّرَ الثَّوْبَ فَإِنْ لَمْ تَزِدْ الْقِيمَةُ رَجَعَ، وَلَا شَيْءَ لِلْمُفْلِسِ، وَإِنْ زَادَتْ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُبَاعُ، وَلِلْمُفْلِسِ مِنْ ثَمَنِهِ بِنِسْبَةِ مَا زَادَ‏.‏

وَلَوْ صَبَغَهُ بِصِبْغَةٍ فَإِنْ زَادَتْ الْقِيمَةُ قَدْرَ قِيمَةِ الصِّبْغِ رَجَعَ، وَالْمُفْلِسُ شَرِيكٌ بِالصَّبْغِ أَوْ أَقَلَّ فَالنَّقْصُ عَلَى الصَّبْغِ، أَوْ أَكْثَرَ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمُفْلِسِ وَلَوْ اشْتَرَى مِنْهُ الصَّبْغَ وَالثَّوْبَ وَرَجَعَ فِيهِمَا إلَّا أَنْ لَا تَزِيدَ قِيمَتُهُمَا عَلَى قِيمَةِ الثَّوْبِ فَيَكُونَ فَاقِدًا لِلصَّبْغِ، وَلَوْ اشْتَرَاهُمَا مِنْ اثْنَيْنِ فَإِنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ مَصْبُوغًا عَلَى قِيمَةِ الثَّوْبِ فَصَاحِبُ الصِّبْغِ فَاقِدٌ، وَإِنْ زَادَتْ بِقَدْرِ قِيمَةِ الصِّبْغِ اشْتَرَكَا، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى قِيمَتِهِمَا فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُفْلِسَ شَرِيكٌ لَهُمَا بِالزِّيَادَةِ‏.‏

باب الْحَجْرِ

مِنْهُ حَجْرُ الْمُفْلِسِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ، وَالرَّاهِنِ لِلْمُرْتَهِنِ، وَالْمَرِيضِ لِلْوَرَثَةِ، وَالْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ، وَالْمُرْتَدِّ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَهَا أَبْوَابٌ‏:‏ وَمَقْصُودُ الْبَابِ حَجْرُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَالْمُبَذِّرِ، فَبِالْجُنُونِ تَنْسَلِبُ الْوِلَايَاتُ، وَاعْتِبَارُ الْأَقْوَالِ، وَيَرْتَفِعُ بِالْإِفَاقَةِ، وَحَجْرُ الصَّبِيِّ يَرْتَفِعُ بِبُلُوغِهِ رَشِيدًا، وَالْبُلُوغُ بِاسْتِكْمَالِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، أَوْ خُرُوجِ الْمَنِيِّ، وَوَقْتُ إمْكَانِهِ اسْتِكْمَالُ تِسْعَ سِنِينَ، وَنَبَاتُ الْعَانَةِ يَقْتَضِي الْحُكْمَ بِبُلُوغِ وَلَدِ الْكَافِرِ لَا الْمُسْلِمِ فِي الْأَصَحِّ، وَتَزِيدُ الْمَرْأَةَ حَيْضًا وَحَبَلاً وَالرُّشْدُ صَلَاحُ الدِّينِ وَالْمَالِ فَلَا يَفْعَلُ مُحَرَّمًا يُبْطِلُ الْعَدَالَةَ‏.‏

وَلَا يُبَذِّرُ بِأَنْ يُضَيِّعَ الْمَالَ بِاحْتِمَالِ غَبْنٍ فَاحِشٍ فِي الْمُعَامَلَةِ أَوْ رَمْيِهِ فِي بَحْرٍ أَوْ إنْفَاقِهِ فِي مُحَرَّمٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ صَرْفَهُ فِي الصَّدَقَةِ، وَوُجُوهِ الْخَيْرِ وَالْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِحَالِهِ لَيْسَ بِتَبْذِيرٍ‏.‏

وَيُخْتَبَرُ رُشْدُ الصَّبِيِّ وَيَخْتَلِفُ بِالْمَرَاتِبِ فَيُخْتَبَرُ وَلَدُ التَّاجِرِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْمُمَاكَسَةِ فِيهِمَا، وَوَلَدُ الزُّرَّاعِ بِالزِّرَاعَةِ وَالنَّفَقَةِ عَلَى الْقَوَامِ بِهَا، وَالْمُحْتَرِفُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِحِرْفَتِهِ، وَالْمَرْأَةُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْغَزْلِ وَالْقُطْنِ، وَصَوْنِ الْأَطْعِمَةِ عَنْ الْهِرَّةِ وَنَحْوِهَا، يُشْتَرَطُ تَكَرُّرِ الِاخْتِبَارِ مَرَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، وَوَقْتُهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَقِيلَ بَعْدَهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَقْدُهُ، بَلْ يُمْتَحَنُ فِي الْمُمَاكَسَةِ، فَإِذَا أَرَادَ الْعَقْدَ عَقَدَ الْوَلِيُّ‏.‏

فَلَوْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ دَامَ الْحَجْرُ، وَإِنْ بَلَغَ رَشِيدًا انْفَكَّ بِنَفْسِ الْبُلُوغِ وَأُعْطِيَ مَالَهُ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ فَكُّ الْقَاضِي، فَلَوْ بَذَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ حُجِرَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ يَعُودُ الْحَجْرُ بِلَا إعَادَةٍ‏.‏

وَلَوْ فُسِّقَ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ، وَمَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ طَرَأَ، فَوَلِيُّهُ الْقَاضِي، وَقِيلَ وَلِيُّهُ فِي الصِّغَرِ وَلَوْ طَرَأَ جُنُونٌ فَوَلِيُّهُ وَلِيُّهُ فِي الصِّغَرِ، وَقِيلَ الْقَاضِي، وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ بَيْعٌ وَلَا شِرَاءٌ وَلَا إعْتَاقٌ وَهِبَةٌ وَنِكَاحٌ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ، فَلَوْ اشْتَرَى أَوْ اقْتَرَضَ وَقَبَضَ وَتَلِفَ الْمَأْخُوذُ فِي يَدِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ فَلَا ضَمَانَ فِي الْحَالِ، وَلَا بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ سَوَاءٌ عَلِمَ مِنْ عَامِلِهِ أَوْ جَهِلَ، وَيَصِحُّ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ نِكَاحُهُ، لَا التَّصَرُّفُ الْمَالِيُّ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِدَيْنٍ قَبْلَ الْحَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ، وَكَذَا بِإِتْلَافِ الْمَالِ فِي الْأَظْهَرِ، وَيَصِحُّ بِالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ، وَطَلَاقُهُ وَخُلْعُهُ وَظِهَارُهُ وَنَفْيُهُ النَّسَبَ بِلِعَانٍ، وَحُكْمُهُ فِي الْعِبَادَةِ كَالرَّشِيدِ لَكِنْ لَا يُفَرِّقُ الزَّكَاةَ بِنَفْسِهِ، وَإِذَا أَحْرَمَ بِحَجِّ فَرْضٍ أَعْطَى الْوَلِيُّ كِفَايَتَهُ لِثِقَةٍ يُنْفِقُ عَلَيْهِ فِي طَرِيقِهِ، وَإِنْ أَحْرَمَ بِتَطَوُّعٍ وَزَادَتْ مُؤْنَةُ سَفَرِهِ عَنْ نَفَقَتِهِ الْمَعْهُودَةِ فَلِلْوَلِيِّ مَنْعُهُ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَمُحْصَرٍ فَيَتَحَلَّلُ قُلْت‏:‏ وَيَتَحَلَّلُ بِالصَّوْمِ إنْ قُلْنَا لِدَمِ الْإِحْصَارِ بَدَلٌ، لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْمَالِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ فِي طَرِيقِهِ كَسْبٌ قَدْرَ زِيَادَةِ الْمُؤْنَةِ لَمْ يَجُزْ مَنْعُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

فصل ‏[‏فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله‏]‏

وَلِيُّ الصَّبِيِّ أَبُوهُ ثُمَّ جَدُّهُ ثُمَّ وَصِيُّهُمَا ثُمَّ الْقَاضِي، وَلَا تَلِي الْأُمُّ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَيَتَصَرَّفُ الْوَلِيُّ بِالْمَصْلَحَةِ، وَيَبْنِي دُورَهُ بِالطِّينِ وَالْآجُرِّ لَا اللَّبِنِ وَالْجِصِّ‏.‏

وَلَا يَبِيعُ عَقَارَهُ إلَّا لِحَاجَةٍ أَوْ غِبْطَةٍ ظَاهِرَةٍ‏.‏

وَلَهُ بَيْعُ مَالِهِ بِعَرْضٍ وَنَسِيئَةٍ لِلْمَصْلَحَةِ، وَإِذَا بَاعَ نَسِيئَةً أَشْهَدَ وَارْتَهَنَ بِهِ، وَيَأْخُذُ لَهُ بِالشُّفْعَةِ أَوْ يَتْرُكُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ، وَيُزَكِّي مَالَهُ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ‏.‏

فَإِذَا ادَّعَى بَعْدَ بُلُوغِهِ عَلَى الْأَبِ وَالْجَدِّ بَيْعًا بِلَا مَصْلَحَةٍ صُدِّقَا بِالْيَمِينِ، وَإِنْ ادَّعَاهُ عَلَى الْوَصِيِّ وَالْأَمِينِ صُدِّقَ هُوَ بِيَمِينِهِ‏.‏

باب الصُّلْحِ

وَهُوَ قِسْمَانِ‏:‏ أَحَدُهُمَا يَجْرِي بَيْنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ، وَهُوَ نَوْعَانِ‏:‏ أَحَدُهُمَا صُلْحٌ عَلَى إقْرَارٍ، فَإِنْ جَرَى عَلَى عَيْنٍ غَيْرِ الْمُدَّعَاةِ فَهُوَ بَيْعٌ بِلَفْظِ الصُّلْحِ تَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُهُ كَالشُّفْعَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَمَنْعِ تَصَرُّفِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَاشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ إنْ اتَّفَقَا فِي عِلَّةِ الرِّبَا، أَوْ عَلَى مَنْفَعَةٍ فَإِجَارَةٌ تَثْبُتُ أَحْكَامُهَا، أَوْ عَلَى بَعْضِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ فَهِبَةٌ لِبَعْضِهَا لِصَاحِبِ الْيَدِ فَتَثْبُتُ أَحْكَامُهَا، وَلَا يَصِحُّ بِلَفْظِ الْبَيْعِ، وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ بِلَفْظِ الصُّلْحِ‏.‏

وَلَوْ قَالَ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ خُصُومَةٍ صَالِحْنِي عَنْ دَارِك بِكَذَا فَالْأَصَحُّ بُطْلَانُهُ‏.‏

وَلَوْ صَالَحَ مِنْ دَيْنٍ عَلَى عَيْنٍ صَحَّ‏.‏

فَإِنْ تَوَافَقَا فِي عِلَّةِ الرِّبَا اُشْتُرِطَ قَبْضُ الْعِوَضِ فِي الْمَجْلِسِ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ عَيْنًا لَمْ يُشْتَرَطْ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ فِي الْأَصَحِّ، أَوْ دَيْنًا اُشْتُرِطَ تَعْيِينُهُ فِي الْمَجْلِسِ، وَفِي قَبْضِهِ الْوَجْهَانِ، وَإِنْ صَالَحَ مِنْ دَيْنٍ عَلَى بَعْضِهِ فَهُوَ إبْرَاءٌ عَنْ بَاقِيهِ، وَيَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِبْرَاءِ وَالْحَطِّ وَنَحْوِهِمَا‏.‏

وَبِلَفْظِ الصُّلْحِ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَلَوْ صَالَحَ مِنْ حَالٍّ عَلَى مُؤَجَّلٍ مِثْلِهِ أَوْ عَكَسَ لَغَا، فَإِنْ عَجَّلَ الْمُؤَجَّلَ صَحَّ الْأَدَاءُ‏.‏

وَلَوْ صَالَحَ مِنْ عَشَرَةٍ حَالَّةٍ عَلَى خَمْسَةٍ مُؤَجَّلَةٍ بَرِئَ مِنْ خَمْسَةٍ وَبَقِيَتْ خَمْسَةٌ حَالَّةٌ، وَلَوْ عَكَسَ لَغَا‏.‏

النَّوْعُ الثَّانِي‏:‏ الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ، فَيَبْطُلُ إنْ جَرَى عَلَى نَفْسِ الْمُدَّعِي‏.‏

وَكَذَا إنْ جَرَى عَلَى بَعْضِهِ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ صَالِحْنِي عَلَى الدَّارِ الَّتِي تَدَّعِيهَا لَيْسَ إقْرَارًا فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الْقِسْمُ الثَّانِي‏:‏ يَجْرِي بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْأَجْنَبِيِّ‏:‏ فَإِنْ قَالَ، وَكَّلَنِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الصُّلْحِ وَهُوَ مُقِرٌّ لَك صَحَّ‏.‏

وَلَوْ صَالَحَ لِنَفْسِهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ صَحَّ وَكَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ، وَإِنْ كَانَ مُنْكَرًا وَقَالَ الْأَجْنَبِيُّ هُوَ مُبْطِلٌ فِي إنْكَارِهِ فَهُوَ شِرَاءُ مَغْصُوبٍ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ قُدْرَتِهِ عَلَى انْتِزَاعِهِ وَعَدَمِهَا، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ هُوَ مُبْطِلٌ لَغَا الصُّلْحُ‏.‏

فصل ‏[‏في التزاحم على الحقوق المشتركة‏]‏

الطَّرِيقُ النَّافِذُ لَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ بِمَا يَضُرُّ الْمَارَّةَ‏.‏

وَلَا يُشْرَعُ فِيهِ جَنَاحٌ وَلَا سَابَاطٌ يَضُرُّهُمْ، بَلْ يُشْتَرَطُ ارْتِفَاعُهُ بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ مُنْتَصِبًا، وَإِنْ كَانَ مَمَرَّ الْفُرْسَانِ وَالْقَوَافِلِ فَلْيَرْفَعْهُ بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ الْمَحْمِلُ عَلَى الْبَعِيرِ مَعَ أَخْشَابِ الْمِظَلَّةِ‏.‏

وَيَحْرُمُ الصُّلْحُ عَلَى إشْرَاعِ الْجَنَاحِ‏.‏

وَأَنْ يَبْنِيَ فِي الطَّرِيقِ دَكَّةً، أَوْ يَغْرِسَ شَجَرَةً، وَقِيلَ‏:‏ إنْ لَمْ يَضُرَّ جَازَ‏.‏

وَغَيْرُ النَّافِذِ يَحْرُمُ الْإِشْرَاعُ إلَيْهِ لِغَيْرِ أَهْلِهِ‏.‏

وَكَذَا لِبَعْضِ أَهْلِهِ فِي الْأَصَحِّ إلَّا بِرِضَا الْبَاقِينَ، وَأَهْلُهُ مَنْ نَفَذَ باب دَارِهِ إلَيْهِ، لَا مَنْ لَاصَقَهُ جِدَارُهُ، وَهَلْ الِاسْتِحْقَاقُ فِي كُلِّهَا لِكُلِّهِمْ أَمْ تَخْتَصُّ شِرْكَةُ كُلِّ وَاحِدٍ بِمَا بَيْنَ رَأْسِ الدَّرْبِ وَبَابِ دَارِهِ‏؟‏ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي‏.‏

وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ فَتْحُ باب إلَيْهِ لِلِاسْتِطْرَاقِ، وَلَهُ فَتْحُهُ إذَا سَمَّرَهُ فِي الْأَصَحِّ وَمَنْ لَهُ فِيهِ باب فَفَتَحَ آخَرَ أَبْعَدَ مِنْ رَأْسِ الدَّرْبِ فَلِشُرَكَائِهِ مَنْعُهُ، فَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ إلَى رَأْسِهِ وَلَمْ يَسُدَّ الْبَابَ الْقَدِيمَ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ سَدَّهُ فَلَا مَنْعَ‏.‏

وَمَنْ لَهُ دَارَانِ تَفْتَحَانِ إلَى دَرْبَيْنِ مَسْدُودَيْنِ، أَوْ مَسْدُودٍ، وَشَارِعٍ فَفَتَحَ بَابًا بَيْنَهُمَا لَمْ يُمْنَعْ فِي الْأَصَحِّ، وَحَيْثُ مُنِعَ فَتْحُ الْبَابِ فَصَالَحَهُ أَهْلُ الدَّرْبِ بِمَالٍ صَحَّ‏.‏

وَيَجُوزُ فَتْحُ الْكَوَّاتِ، وَالْجِدَارُ بَيْنَ مَالِكَيْنِ قَدْ يَخْتَصُّ بِهِ أَحَدُهُمَا، وَقَدْ يَشْتَرِكَانِ فِيهِ فَالْمُخْتَصُّ لَيْسَ لِلْآخَرِ وَضْعُ الْجُذُوعِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنٍ فِي الْجَدِيدِ، وَلَا يُجْبَرُ الْمَالِكُ، فَلَوْ رَضِيَ بِلَا عِوَضٍ فَهُوَ إعَارَةٌ وَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ، وَكَذَا بَعْدَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَفَائِدَةُ الرُّجُوعِ تَخْيِيرُهُ بَيْنَ أَنْ يُبْقِيَهُ بِأُجْرَةٍ أَوْ يَقْلَعَ وَيَغْرَمَ أَرْشَ نَقْصِهِ وَقِيلَ فَائِدَتُهُ طَلَبُ الْأُجْرَةِ فَقَطْ، وَلَوْ‏:‏ رَضِيَ بِوَضْعِ الْجُذُوعِ وَالْبِنَاءِ عَلَيْهَا بِعِوَضٍ فَإِنْ أَجَّرَ رَأْسَ الْجِدَارِ لِلْبِنَاءِ فَهُوَ إجَارَةٌ وَإِنْ قَالَ بِعْته لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ أَوْ بِعْته حَقَّ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ فَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ فِيهِ شَوْبُ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ‏.‏

فَإِذَا بَنَى فَلَيْسَ لِمَالِكِ الْجِدَارِ نَقْضُهُ بِحَالٍ‏.‏

وَلَوْ انْهَدَمَ الْجِدَارُ فَأَعَادَهُ مَالِكُهُ فَلِلْمُشْتَرِي إعَادَةُ الْبِنَاءِ‏.‏

وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِذْنُ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ يُشْتَرَطُ بَيَانُ قَدْرِ الْمَوْضِعِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ طُولاً وَعَرْضًا، وَسَمْكِ الْجُدْرَانِ وَكَيْفِيَّتِهَا وَكَيْفِيَّةِ السَّقْفِ الْمَحْمُولِ عَلَيْهَا‏.‏

وَلَوْ أَذِنَ فِي الْبِنَاءِ عَلَى أَرْضِهِ كَفَى بَيَانُ قَدْرِ مَحَلِّ الْبِنَاءِ، وَأَمَّا الْجِدَارُ الْمُشْتَرَكُ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا وَضْعُ جُذُوعِهِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنٍ فِي الْجَدِيدِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتِدَ فِيهِ وَتَدًا أَوْ يَفْتَحَ كُوَّةً إلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَنِدَ إلَيْهِ وَيُسْنِدَ مَتَاعًا لَا يَضُرُّ، وَلَهُ ذَلِكَ فِي جِدَارِ الْأَجْنَبِيِّ لَيْسَ لَهُ إجْبَارُ شَرِيكِهِ عَلَى الْعِمَارَةِ فِي الْجَدِيدِ‏.‏

فَإِنْ أَرَادَ إعَادَةَ مُنْهَدِمٍ بِآلَةٍ لِنَفْسِهِ لَمْ يُمْنَعْ، وَيَكُونُ الْمُعَادُ مِلْكَهُ يَضَعُ عَلَيْهِ مَا شَاءَ وَيَنْقُضُهُ إذَا شَاءَ، وَلَوْ قَالَ الْآخَرُ لَا تَنْقُضْهُ وَأَغْرَمُ لَك حِصَّتِي لَمْ يَلْزَمْهُ إجَابَتُهُ، وَإِنْ أَرَادَ إعَادَتَهُ بِنَقْضِهِ الْمُشْتَرَكَ فَلِلْآخَرِ مَنْعُهُ، وَلَوْ تَعَاوَنَا عَلَى إعَادَتِهِ بِنَقْضِهِ عَادَ مُشْتَرَكًا كَمَا كَانَ، وَلَوْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا وَشَرَطَ لَهُ الْآخَرُ زِيَادَةً جَازَ وَكَانَتْ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ‏.‏

وَيَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى إجْرَاءِ الْمَاءِ وَإِلْقَاءِ الثَّلْجِ فِي مِلْكِهِ عَلَى مَالٍ‏.‏

وَلَوْ تَنَازَعَا جِدَارًا بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا فَإِنْ اتَّصَلَ بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا بِحَيْثُ يَعْلَمُ أَنَّهُمَا بَنَيَا مَعًا فَلَهُ الْيَدُ وَإِلَّا فَلَهُمَا، فَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً قُضِيَ لَهُ، وَإِلَّا حَلَفَا، فَإِنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا جُعِلَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا قُضِيَ لَهُ وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ جُذُوعٌ لَمْ يُرَجَّحْ، وَالسَّقْفُ بَيْنَ عُلْوِهِ وَسُفْلِ غَيْرِهِ كَجِدَارٍ بَيْنَ مِلْكَيْنِ فَيُنْظَرُ أَيُمْكِنُ إحْدَاثُهُ بَعْدَ الْعُلْوِ فَيَكُونُ فِي يَدِهِمَا، أَوْ لَا فَلِصَاحِبِ السُّفْلِ‏.‏

باب الْحَوَالَةِ

يُشْتَرَطُ لَهَا رِضَا الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ، لَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَلَا تَصِحُّ عَلَى مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ تَصِحُّ بِرِضَاهُ وَتَصِحُّ بِالدَّيْنِ اللَّازِمِ، عَلَيْهِ، وَالْمِثْلِيِّ وَكَذَا الْمُتَقَوِّمُ فِي الْأَصَحِّ، وَبِالثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَعَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ حَوَالَةِ الْمُكَاتَبِ سَيِّدَهُ بِالنُّجُومِ دُونَ حَوَالَةِ السَّيِّدِ عَلَيْهِ‏.‏

وَيُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِمَا يُحَالُ بِهِ وَعَلَيْهِ قَدْرًا وَصِفَةً وَفِي قَوْلٍ تَصِحُّ بِإِبِلِ الدِّيَةِ وَعَلَيْهَا، وَيُشْتَرَطُ تَسَاوِيهِمَا جِنْسًا وَقَدْرًا، وَكَذَا حُلُولاً وَأَجَلاً، وَصِحَّةً وَكَسْرًا فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَيَبْرَأُ بِالْحَوَالَةِ الْمُحِيلُ عَنْ دَيْنِ الْمُحْتَالِ، وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ عَنْ دَيْنِ الْمُحِيلِ، وَيَتَحَوَّلُ حَقُّ الْمُحْتَالِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ بِفَلَسٍ أَوْ جَحْدٍ وَحَلِفٍ وَنَحْوِهِمَا‏:‏ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُحِيلِ فَلَوْ كَانَ مُفْلِسًا عِنْدَ الْحَوَالَةِ وَجَهِلَهُ الْمُحْتَالُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ، وَقِيلَ لَهُ الرُّجُوعُ إنْ شُرِطَ يَسَارُهُ‏.‏

وَلَوْ أَحَالَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ فَرَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ بَطَلَتْ فِي الْأَظْهَرِ، أَوْ الْبَائِعَ بِالثَّمَنِ فَوُجِدَ الرَّدُّ لَمْ تَبْطُلْ عَلَى الْمَذْهَبِ‏.‏

وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا وَأَحَالَ بِثَمَنِهِ ثُمَّ اتَّفَقَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالْمُحْتَالُ عَلَى حُرِّيَّتِهِ، أَوْ ثَبَتَتْ بِبَيِّنَةٍ بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ‏.‏

وَإِنْ كَذَّبَهُمَا الْمُحْتَالُ وَلَا بَيِّنَةَ حَلَّفَاهُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَالَ مِنْ الْمُشْتَرِي‏.‏

وَلَوْ قَالَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ وَكَّلْتُك لِتَقْبِضَ لِي، وَقَالَ الْمُسْتَحَقُّ، أَحَلْتنِي، أَوْ قَالَ أَرَدْت بِقَوْلِي أَحَلْتُك الْوَكَالَةَ، وَقَالَ الْمُسْتَحِقُّ بَلْ أَرَدْت الْحَوَالَةَ صُدِّقَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ، وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَجْهٌ‏.‏

وَإِنْ قَالَ أَحَلْتُك فَقَالَ وَكَّلْتَنِي صُدِّقَ الثَّانِي بِيَمِينِهِ‏.‏

باب الضَّمَانِ

شَرْطُ الضَّامِنِ‏:‏ الرُّشْدُ، وَضَمَانُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ كَشِرَائِهِ‏.‏

وَضَمَانُ عَبْدٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ بَاطِلٌ فِي الْأَصَحِّ، وَيَصِحُّ بِإِذْنِهِ، فَإِنْ عَيَّنَ لِلْأَدَاءِ كَسْبَهُ أَوْ غَيْرَهُ قَضَى مِنْهُ‏.‏

وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ تَعَلَّقَ بِمَا فِي يَدِهِ وَمَا يَكْسِبُهُ بَعْدَ الْإِذْنِ، وَإِلَّا فَبِمَا يَكْسِبُهُ‏.‏

وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ مَعْرِفَةِ الْمَضْمُونِ لَهُ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ وَرِضَاهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمَضْمُونِ عَنْهُ قَطْعًا، وَلَا مَعْرِفَتُهُ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَضْمُونِ كَوْنُهُ ثَابِتًا‏.‏

وَصَحَّحَ الْقَدِيمُ ضَمَانَ مَا سَيَجِبُ، وَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ ضَمَانِ الدَّرَكِ بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ وَهُوَ أَنْ يَضْمَنَ لِلْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا أَوْ مَعِيبًا أَوْ نَاقِصًا لِنَقْصِ الصَّنْجَةِ‏.‏

وَكَوْنُهُ لَازِمًا، لَا كَنُجُومِ كِتَابَةٍ‏.‏

وَيَصِحُّ ضَمَانُهُ الثَّمَنَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَضَمَانُ الْجُعْلِ كَالرَّهْنِ بِهِ‏.‏

وَكَوْنُهُ مَعْلُومًا فِي الْجَدِيدِ‏.‏

وَالْإِبْرَاءُ مِنْ الْمَجْهُولِ بَاطِلٌ فِي الْجَدِيدِ إلَّا مِنْ إبِلِ الدِّيَةِ، وَيَصِحُّ ضَمَانُهَا فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَلَوْ قَالَ‏:‏ ضَمِنْت مَا لَك عَلَى زَيْدٍ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ فَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ، وَأَنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا لِعَشَرَةٍ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ الْأَصَحُّ لِتِسْعَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

فصل ‏[‏في كفالة البدن‏]‏

الْمَذْهَبُ صِحَّةُ كَفَالَةِ الْبَدَنِ‏.‏

فَإِنْ كَفَلَ بَدَنَ مَنْ عَلَيْهِ مَالٌ لَمْ يُشْتَرَطْ الْعِلْمُ بِقَدْرِهِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مِمَّا يَصِحُّ ضَمَانُهُ، وَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهَا بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ لِآدَمِيٍّ كَقِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ، وَمَنْعُهَا فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى‏.‏

وَتَصِحُّ بِبَدَنِ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمَحْبُوسٍ وَغَائِبٍ وَمَيِّتٍ لِيُحْضِرَهُ فَيَشْهَدَ عَلَى صُورَتِهِ‏.‏

ثُمَّ إنْ عَيَّنَ مَكَان التَّسْلِيمِ تَعَيَّنَ وَإِلَّا فَمَكَانُهَا، وَيَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِتَسْلِيمِهِ فِي مَكَانِ التَّسْلِيمِ بِلَا حَائِلٍ كَمُتَغَلِّبٍ، وَبِأَنْ يَحْضُرَ الْمَكْفُولُ بِهِ وَيَقُولَ سَلَّمْت نَفْسِي عَنْ جِهَةِ الْكَفِيلِ، وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ حُضُورِهِ‏.‏

فَإِنْ غَابَ لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ إحْضَارُهُ إنْ جَهِلَ مَكَانَهُ، وَإِلَّا فَيَلْزَمُهُ، وَيُمْهَلُ مُدَّةَ ذَهَابٍ وَإِيَابٍ‏.‏

فَإِنْ مَضَتْ وَلَمْ يُحْضِرْهُ حُبِسَ، وَقِيلَ‏:‏ إنْ غَابَ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَمْ يَلْزَمْهُ إحْضَارُهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا مَاتَ وَدُفِنَ لَا يُطَالَبُ الْكَفِيلُ بِالْمَالِ‏.‏

وَأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ فِي الْكَفَالَةِ أَنَّهُ يَغْرَمُ الْمَالَ إنْ فَاتَ التَّسْلِيمُ بَطَلَتْ‏.‏

وَأَنَّهَا لَا تَصِحُّ بِغَيْرِ رِضَا الْمَكْفُولِ‏.‏

فصل ‏[‏في صيغتي الضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ‏]‏

يُشْتَرَطُ فِي الضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ لَفْظٌ يُشْعِرُ بِالْتِزَامٍ؛ كَضَمِنْتُ دَيْنَك عَلَيْهِ أَوْ تَحَمَّلْته أَوْ تَقَلَّدْته أَوْ تَكَفَّلْت بِبَدَنِهِ، أَوْ أَنَا بِالْمَالِ أَوْ بِإِحْضَارِ الشَّخْصِ ضَامِنٌ أَوْ كَفِيلٌ أَوْ زَعِيمٌ أَوْ حَمِيلٌ‏.‏

وَلَوْ قَالَ‏:‏ أُؤَدِّي الْمَالَ أَوْ أُحْضِرُ الشَّخْصَ فَهُوَ وَعْدٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُمَا بِشَرْطٍ وَلَا تَوْقِيتُ الْكَفَالَةِ‏.‏

وَلَوْ نَجَّزَهَا وَشَرَطَ تَأْخِيرَ الْإِحْضَارِ شَهْرًا جَازَ، وَأَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُ الْحَالِّ مُؤَجَّلاً أَجَلاً مَعْلُومًا‏.‏

وَأَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُ الْمُؤَجَّلِ حَالًّا، وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّعْجِيلُ‏.‏

وَلِلْمُسْتَحِقِّ مُطَالَبَةُ الضَّامِنِ وَالْأَصِيلِ‏.‏

وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ‏.‏

وَلَوْ أَبْرَأَ الْأَصِيلَ بَرِئَ الضَّامِنُ، وَلَا عَكْسَ‏.‏

وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا حَلَّ عَلَيْهِ دُونَ الْآخَرِ‏.‏

وَإِذَا طَالَبَ الْمُسْتَحِقُّ الضَّامِنَ فَلَهُ مُطَالَبَةُ الْأَصِيلِ بِتَخْلِيصِهِ بِالْأَدَاءِ إنْ ضَمِنَ بِإِذْنِهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ قَبْلَ أَنْ يُطَالَبَ‏.‏

وَلِلضَّامِنِ الرُّجُوعُ عَلَى الْأَصِيلِ إنْ وُجِدَ إذْنُهُ فِي الضَّمَانِ وَالْأَدَاءِ، وَإِنْ انْتَفَى فِيهِمَا فَلَا، وَإِنْ أَذِنَ فِي الضَّمَانِ فَقَطْ رَجَعَ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا عَكْسَ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ أَدَّى مُكَسَّرًا عَنْ صِحَاحٍ أَوْ صَالَحَ عَنْ مِائَةٍ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ خَمْسُونَ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِمَا غَرِمَ وَمَنْ أَدَّى دَيْنَ غَيْرِهِ بِلَا ضَمَانٍ وَلَا إذْنٍ فَلَا رُجُوعَ، وَإِنْ أَذِنَ بِشَرْطِ الرُّجُوعِ رَجَعَ، وَكَذَا إنْ أَذِنَ مُطْلَقًا فِي الْأَصَحِّ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ مُصَالَحَتَهُ عَلَى غَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ لَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ‏.‏

ثُمَّ إنَّمَا يَرْجِعُ الضَّامِنُ وَالْمُؤَدِّي إذَا أَشْهَدَ بِالْأَدَاءِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلاً وَامْرَأَتَيْنِ، وَكَذَا رَجُلٌ لِيَحْلِفَ مَعَهُ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ فَلَا رُجُوعَ إنْ أَدَّى فِي غَيْبَةِ الْأَصِيلِ وَكَذَّبَهُ، وَكَذَا إنْ صَدَّقَهُ فِي الْأَصَحِّ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمَضْمُونُ لَهُ أَوْ أَدَّى بِحَضْرَةِ الْأَصِيلِ رَجَعَ عَلَى الْمَذْهَبِ‏.‏

هِيَ أَنْوَاعُ شَرِكَةِ الْأَبْدَانِ كَشَرِكَةِ الْحَمَّالِينَ، وَسَائِرِ الْمُحْتَرِفَةِ لِيَكُونَ بَيْنَهُمَا كَسْبُهُمَا مُتَسَاوِيًا أَوْ مُتَفَاوِتًا مَعَ اتِّفَاقِ الصَّنْعَةِ أَوْ اخْتِلَافِهَا‏.‏

وَشَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ لِيَكُونَ بَيْنَهُمَا كَسْبُهُمَا وَعَلَيْهِمَا مَا يَعْرِضُ مِنْ غُرْمٍ‏.‏

وَشَرِكَةُ الْوُجُوهِ بِأَنْ يَشْتَرِكَ الْوَجِيهَانِ لِيَبْتَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمُؤَجَّلٍ لَهُمَا، فَإِذَا بَاعَا كَانَ الْفَاضِلُ عَنْ الْأَثْمَانِ بَيْنَهُمَا وَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ بَاطِلَةٌ‏.‏

وَشَرِكَةُ الْعِنَانِ صَحِيحَةٌ‏.‏

وَيُشْتَرَطُ فِيهَا لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَى الْإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ فَلَوْ اقْتَصَرَا عَلَى اشْتَرَكْنَا لَمْ يَكْفِ فِي الْأَصَحِّ‏:‏‏.‏

وَفِيهِمَا أَهْلِيَّةُ التَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلِ‏.‏

وَتَصِحُّ فِي كُلِّ مِثْلِيٍّ دُونَ الْمُتَقَوِّمِ، وَقِيلَ تَخْتَصُّ بِالنَّقْدِ الْمَضْرُوبِ‏.‏

وَيُشْتَرَطُ خَلْطُ الْمَالَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزَانِ، وَلَا يَكْفِي الْخَلْطُ مَعَ اخْتِلَافِ جِنْسٍ، أَوْ صِفَةٍ كَصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ هَذَا إذَا أَخْرَجَا مَالَيْنِ وَعَقَدَا، فَإِنْ مَلَكَا مُشْتَرَكًا بِإِرْثٍ وَشِرَاءٍ وَغَيْرِهِمَا وَأَذِنَ كُلٌّ لِلْآخَرِ فِي التِّجَارَةِ فِيهِ تَمَّتْ الشَّرِكَةُ، وَالْحِيلَةُ فِي الشَّرِكَةِ فِي الْعُرُوضِ أَنْ يَبِيعَ كُلُّ وَاحِدٍ بَعْضَ عَرْضِهِ بِبَعْضِ عَرْضِ الْآخَرِ وَيَأْذَنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ‏.‏

وَلَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِي قَدْرِ الْمَالَيْنِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِقَدْرِهِمَا عِنْدَ الْعَقْدِ‏.‏

وَيَتَسَلَّطُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى التَّصَرُّفِ بِلَا ضَرَرٍ فَلَا يَبِيعُ نَسِيئَةً وَلَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَلَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَلَا يُسَافِرُ بِهِ وَلَا يُبْعِضُهُ بِغَيْرِ إذْنٍ‏.‏

وَلِكُلٍّ فَسْخُهُ مَتَى شَاءَ، وَيَنْعَزِلَانِ عَنْ التَّصَرُّفِ بِفَسْخِهِمَا، فَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا عَزَلْتُك أَوْ لَا تَتَصَرَّفْ فِي نَصِيبِي لَمْ يَنْعَزِلْ الْعَازِلُ‏.‏

وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَبِجُنُونِهِ وَبِإِغْمَائِهِ‏.‏

وَالرِّبْحُ وَالْخُسْرَانُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ تَسَاوَيَا فِي الْعَمَلِ أَوْ تَفَاوَتَا، فَإِنْ شَرَطَا خِلَافَهُ فَسَدَ الْعَقْدُ فَيَرْجِعُ كُلٌّ عَلَى الْآخَرِ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ فِي مَالِهِ، وَتَنْفُذُ التَّصَرُّفَاتُ، وَالرِّبْحُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ، وَيَدُ الشَّرِيكِ يَدُ أَمَانَةٍ، فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ‏.‏

وَالْخُسْرَانِ وَالتَّلَفِ فَإِنْ ادَّعَاهُ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ بِالسَّبَبِ، ثُمَّ يُصَدَّقُ فِي التَّلَفِ بِهِ‏.‏

وَلَوْ قَالَ مَنْ فِي يَدِهِ الْمَالُ هُوَ لِي، وَقَالَ الْآخَرُ مُشْتَرَكٌ أَوْ بِالْعَكْسِ صُدِّقَ صَاحِبُ الْيَدِ، وَلَوْ قَالَ اقْتَسَمْنَا وَصَارَ لِي صُدِّقَ الْمُنْكِرُ‏.‏

وَلَوْ اشْتَرَى وَقَالَ اشْتَرَيْته لِلشَّرِكَةِ أَوْ لِنَفْسِي وَكَذَّبَهُ الْآخَر صُدِّقَ الْمُشْتَرِي‏.‏

كتاب الْوَكَالَةِ

شَرْطُ الْمُوَكِّلِ صِحَّةُ مُبَاشَرَتِهِ مَا وَكَّلَ فِيهِ بِمِلْكٍ أَوْ وِلَايَةٍ‏.‏

فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا الْمَرْأَةِ وَالْمُحْرِمِ فِي النِّكَاحِ‏.‏

وَيَصِحُّ تَوْكِيلُ الْوَلِيِّ فِي حَقِّ الطِّفْلِ‏.‏

وَيُسْتَثْنَى تَوْكِيلُ الْأَعْمَى فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَيَصِحُّ‏.‏

وَشَرْطُ الْوَكِيلِ صِحَّةُ مُبَاشَرَتِهِ التَّصَرُّفَ لِنَفْسِهِ، لَا صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَكَذَا الْمَرْأَةُ وَالْمُحْرِمُ فِي النِّكَاحِ لَكِنْ الصَّحِيحُ اعْتِمَادُ قَوْلِ صَبِيٍّ فِي الْإِذْنِ فِي دُخُولِ دَارٍ وَإِيصَالِ هَدِيَّةٍ‏.‏

وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ تَوْكِيلِ عَبْدٍ فِي قَبُولِ نِكَاحٍ وَمَنْعُهُ فِي الْإِيجَابِ‏.‏

وَشَرْطُ الْمُوَكَّلِ فِيهِ أَنْ يَمْلِكَهُ الْمُوَكِّلُ‏:‏ فَلَوْ وَكَّلَ بِبَيْعٍ عَبْدٍ سَيَمْلِكُهُ، وَطَلَاقِ مَنْ سَيَنْكِحُهَا بَطَلَ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَأَنْ يَكُونَ قَابِلاً لِلنِّيَابَةِ، فَلَا يَصِحُّ فِي عِبَادَةٍ إلَّا الْحَجَّ وَتَفْرِقَةَ زَكَاةٍ، وَذَبْحَ أُضْحِيَّةٍ، وَلَا فِي شَهَادَةٍ وَإِيلَاءٍ وَلِعَانٍ وَسَائِرِ الْأَيْمَانِ، وَلَا فِي الظِّهَارِ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَيَصِحُّ فِي طَرَفَيْ بَيْعٍ، وَهِبَةٍ، وَسَلَمٍ، وَرَهْنٍ، وَنِكَاحٍ، وَطَلَاقٍ، وَسَائِرِ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ، وَقَبْضِ الدُّيُونِ وَإِقْبَاضِهَا وَالدَّعْوَى وَالْجَوَابِ‏.‏

وَكَذَا فِي تَمَلُّكِ الْمُبَاحَاتِ كَالْإِحْيَاءِ وَالِاصْطِيَادِ وَالِاحْتِطَابِ فِي الْأَظْهَرِ، لَا فِي الْإِقْرَارِ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَيَصِحُّ فِي اسْتِيفَاءِ عُقُوبَةِ آدَمِيٍّ كَقِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ، وَقِيل لَا يَجُوزُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ‏.‏

وَلْيَكُنْ الْمُوَكَّلُ فِيهِ مَعْلُومًا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَلَوْ قَالَ وَكَّلْتُك فِي كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ أَوْ فِي كُلِّ أُمُورِي أَوْ فَوَّضْت إلَيْك كُلَّ شَيْءٍ لَمْ يَصِحَّ‏.‏

وَإِنْ قَالَ فِي بَيْعِ أَمْوَالِي وَعِتْقِ أَرِقَّائِي صَحَّ‏.‏

وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ عَبْدٍ وَجَبَ بَيَانُ نَوْعِهِ، أَوْ دَارٍ وَجَبَ بَيَانُ الْمَحَلَّةِ وَالسِّكَّةِ، لَا قَدْرِ الثَّمَنِ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَيُشْتَرَطُ مِنْ الْمُوَكِّلِ لَفْظٌ يَقْتَضِي رِضَاهُ كَوَكَّلْتُكَ فِي كَذَا أَوْ فَوَّضْته إلَيْك أَوْ أَنْتَ وَكِيلِي فِيهِ، فَلَوْ قَالَ بِعْ أَوْ أَعْتِقْ حَصَلَ الْإِذْنُ وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لَفْظًا، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ فِي صِيَغِ الْعُقُودِ كَوَكَّلْتُكَ، دُونَ صِيَغِ الْأَمْرِ كَبِعْ وَأَعْتِقْ‏.‏

وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

فَإِنْ نَجَّزَهَا، وَشَرَطَ لِلتَّصَرُّفِ شَرْطًا جَازَ، وَلَوْ قَالَ وَكَّلْتُك وَمَتَى عَزَلْتُك فَأَنْتَ وَكِيلِي صَحَّتْ فِي الْحَالِ فِي الْأَصَحِّ، وَفِي عَوْدِهِ وَكِيلاً بَعْدَ الْعَزْلِ الْوَجْهَانِ فِي تَعْلِيقِهَا، وَيَجْرِيَانِ فِي تَعْلِيقِ الْعَزْلِ‏.‏

فصل ‏[‏في أحكام الوكالة بعد صحتها‏]‏

الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا لَيْسَ لَهُ الْبَيْعُ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَلَا بِنَسِيئَةٍ وَلَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ، وَهُوَ مَا لَا يُحْتَمَلُ غَالِبًا، فَلَوْ بَاعَ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ، وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ ضَمِنَ‏.‏

فَإِنْ وَكَّلَهُ لِيَبِيعَ مُؤَجَّلاً وَقَدَّرَ الْأَجَلَ فَذَاكَ‏.‏

وَإِنْ أَطْلَقَ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ، وَحُمِلَ عَلَى الْمُتَعَارَفِ فِي مِثْلِهِ وَلَا يَبِيعُ لِنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَبِيعُ لِأَبِيهِ وَابْنِهِ الْبَالِغِ‏.‏

وَأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ لَهُ قَبْضُ الثَّمَنِ وَتَسْلِيمُ الْمَبِيعِ، وَلَا يُسَلِّمُهُ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ، فَإِنْ خَالَفَ ضَمِنَ‏.‏

وَإِذَا وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ لَا يَشْتَرِي مَعِيبًا، فَإِنْ اشْتَرَاهُ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ يُسَاوِي مَعَ الْعَيْبِ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ وَقَعَ عَنْ الْمُوَكِّلِ إنْ جَهِلَ الْعَيْبَ، وَإِنْ عَلِمَهُ فَلَا فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ يُسَاوِهْ لَمْ يَقَعْ عَنْهُ إنْ عَلِمَهُ، وَإِنْ جَهِلَهُ وَقَعَ فِي الْأَصَحِّ، وَإِذَا وَقَعَ لِلْمُوَكِّلِ فَلِكُلٍّ مِنْ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ الرَّدُّ‏.‏

وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ بِلَا إذْنٍ إنْ تَأَتَّيْ مِنْهُ مَا وَكَّلَ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَأَتَّ لِكَوْنِهِ لَا يُحْسِنُهُ أَوْ لَا يَلِيقُ بِهِ فَلَهُ التَّوْكِيلُ، وَلَوْ كَثُرَ وَعَجَزَ عَنْ الْإِثْبَاتِ بِكُلِّهِ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُوَكِّلُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْمُمْكِنِ‏.‏

وَلَوْ أَذِنَ فِي التَّوْكِيلِ وَقَالَ‏:‏ وَكِّلْ عَنْ نَفْسِكَ فَفَعَلَ فَالثَّانِي وَكِيلُ الْوَكِيلِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ وَانْعِزَالِهِ‏.‏

وَإِنْ قَالَ وَكِّلْ عَنِّي فَالثَّانِي وَكِيلُ الْمُوَكِّلِ، وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

قُلْت‏:‏ وَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ لَا يَعْزِلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَلَا يَنْعَزِلُ بِانْعِزَالِهِ‏.‏

وَحَيْثُ جَوَّزْنَا لِلْوَكِيلِ التَّوْكِيلَ يُشْتَرَطُ أَنْ يُوَكِّلَ أَمِينًا إلَّا أَنْ يُعَيِّنَ الْمُوَكِّلُ غَيْرَهُ، وَلَوْ وَكَّلَ أَمِينًا فَفُسِّقَ لَمْ يَمْلِكْ الْوَكِيلُ عَزْلَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

فصل ‏[‏فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة‏]‏

قَالَ‏:‏ بِعْ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ أَوْ فِي زَمَنٍ أَوْ مَكَان مُعَيَّنٍ تَعَيَّنَ، وَفِي الْمَكَانِ وَجْهٌ إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ غَرَضٌ‏.‏

وَإِنْ قَالَ بِعْ بِمِائَةٍ لَمْ يَبِعْ بِأَقَلَّ، وَلَهُ أَنْ يَزِيدَ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِالنَّهْيِ‏.‏

وَلَوْ قَالَ اشْتَرِ بِهَذَا الدِّينَارِ شَاةً وَوَصَفَهَا فَاشْتَرَى بِهِ شَاتَيْنِ بِالصِّفَةِ، فَإِنْ لَمْ تُسَاوِ وَاحِدَةٌ دِينَارًا لَمْ يَصِحَّ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ، وَإِنْ سَاوَتْهُ كُلُّ وَاحِدَةٍ فَالْأَظْهَرُ الصِّحَّةُ، وَحُصُولُ الْمِلْكِ فِيهِمَا لِلْمُوَكِّلِ‏.‏

وَلَوْ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ بِمُعَيَّنٍ فَاشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَقَعْ لِلْمُوَكِّلِ وَكَذَا عَكْسُهُ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَمَتَى خَالَفَ الْمُوَكِّلَ فِي بَيْعِ مَالِهِ أَوْ الشِّرَاءِ بِعَيْنِهِ فَتَصَرُّفُهُ بَاطِلٌ‏.‏

وَلَوْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ وَلَمْ يُسَمِّ الْمُوَكِّلَ وَقَعَ لِلْوَكِيلِ، وَإِنْ سَمَّاهُ فَقَالَ الْبَائِعُ، بِعْتُ فَقَالَ اشْتَرَيْت لِفُلَانٍ فَكَذَا فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ قَالَ بِعْت مُوَكِّلَك زَيْدًا فَقَالَ اشْتَرَيْت لَهُ فَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُهُ‏.‏

وَيَدُ الْوَكِيلِ يَدُ أَمَانَةٍ، وَإِنْ كَانَ بِجُعْلٍ فَإِنْ تَعَدَّى ضَمِنَ وَلَا يَنْعَزِلُ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَأَحْكَامُ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ فَيُعْتَبَرُ فِي الرُّؤْيَةِ وَلُزُومِ الْعَقْدِ بِمُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ وَالتَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ حَيْثُ يَشْتَرِطُ الْوَكِيلُ دُونَ الْمُوَكِّلِ، وَإِذَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ طَالَبَهُ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ إنْ كَانَ دَفَعَهُ إلَيْهِ الْمُوَكِّلُ، وَإِلَّا فَلَا إنْ كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا، وَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ طَالَبَهُ إنْ أَنْكَرَ وَكَالَتَهُ أَوْ قَالَ لَا أَعْلَمُهَا، وَإِنْ اعْتَرَفَ بِهَا طَالَبَهُ أَيْضًا فِي الْأَصَحِّ كَمَا يُطَالِبُ الْمُوَكِّلِ، وَيَكُونُ الْوَكِيلُ كَضَامِنٍ وَالْمُوَكِّلُ كَأَصِيلٍ، وَإِذَا قَبَضَ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ الثَّمَنَ وَتَلِفَ فِي يَدِهِ وَخَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا رَجَعَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ اعْتَرَفَ بِوَكَالَتِهِ فِي الْأَصَحِّ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ قُلْت‏:‏ وَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ ابْتِدَاءً فِي الْأَصَحِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

فَصْلٌ ‏[‏في بيان جواز الوكالة وما تنفسخ به‏]‏

الْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، فَإِذَا عَزَلَهُ الْمُوَكِّلُ فِي حُضُورِهِ أَوْ قَالَ رَفَعْت الْوَكَالَةَ أَوْ أَبْطَلْتهَا أَوْ أَخْرَجْتُك مِنْهَا انْعَزَلَ فَإِنْ عَزَلَهُ، وَهُوَ غَائِبٌ انْعَزَلَ فِي الْحَالِ، وَفِي قَوْلٍ لَا حَتَّى يَبْلُغَهُ الْخَبَرُ‏.‏

وَلَوْ قَالَ عَزَلْت نَفْسِي أَوْ رَدَدْت الْوَكَالَةَ انْعَزَلَ‏.‏

وَيَنْعَزِلُ بِخُرُوجِ أَحَدِهِمَا عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ بِمَوْتٍ أَوْ جُنُونٍ، وَكَذَا إغْمَاءٌ فِي الْأَصَحِّ، وَبِخُرُوجِ مَحَلِّ التَّصَرُّفِ عَنْ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ‏.‏

وَإِنْكَارُ الْوَكِيلِ الْوَكَالَةَ لِنِسْيَانٍ أَوْ لِغَرَضٍ فِي الْإِخْفَاءِ لَيْسَ بِعَزْلٍ، فَإِنْ تَعَمَّدَ وَلَا غَرَضَ انْعَزَلَ‏.‏

وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي أَصْلِهَا أَوْ صِفَتِهَا بِأَنْ قَالَ وَكَّلْتنِي فِي الْبَيْعِ نَسِيئَةً أَوْ الشِّرَاءِ بِعِشْرِينَ، فَقَالَ بَلْ نَقْدًا أَوْ بِعَشَرَةٍ صُدِّقَ الْمُوَكِّلُ بِيَمِينِهِ، وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِعِشْرِينَ وَزَعَمَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ أَمَرَهُ فَقَالَ بَلْ بِعَشَرَةٍ وَحَلَفَ، فَإِنْ اشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِ الْمُوَكِّلِ وَسَمَّاهُ فِي الْعَقْدِ وَقَالَ بَعْدَهُ اشْتَرَيْته لِفُلَانٍ وَالْمَالُ لَهُ وَصَدَّقَهُ الْبَائِعُ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَذَّبَهُ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالْوَكَالَةِ، وَوَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ، وَكَذَا‏.‏

إنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ وَلَمْ يُسَمِّ الْمُوَكِّلَ وَكَذَا إنْ سَمَّاهُ وَكَذَّبَهُ الْبَائِعُ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ صَدَّقَهُ بَطَلَ الشِّرَاءُ، وَحَيْثُ حُكِمَ بِالشِّرَاءِ لِلْوَكِيلِ يُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَرْفُقَ بِالْمُوَكِّلِ لِيَقُولَ لِلْوَكِيلِ إنْ كُنْت أَمَرْتُك بِعِشْرِينَ فَقَدْ بِعْتُكَهَا بِهَا، وَيَقُولُ هُوَ اشْتَرَيْت لِتَحِلَّ لَهُ‏.‏

وَلَوْ قَالَ أَتَيْت بِالتَّصَرُّفِ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ صُدِّقَ الْمُوَكِّلُ، وَفِي قَوْلٍ الْوَكِيلُ، وَقَوْلُ الْوَكِيلِ فِي تَلَفِ الْمَالِ مَقْبُولٌ بِيَمِينِهِ وَكَذَا فِي الرَّدِّ، وَقِيلَ إنْ كَانَ بِجُعْلٍ فَلَا‏.‏

وَلَوْ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى رَسُولِ الْمُوَكِّلِ وَأَنْكَرَ الرَّسُولُ صُدِّقَ الرَّسُولُ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ تَصْدِيقُ الْوَكِيلِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ قَالَ قَبَضْت الثَّمَنَ وَتَلِفَ، وَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ صُدِّقَ الْمُوَكِّلُ إنْ كَانَ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، وَإِلَّا فَالْوَكِيلُ عَلَى الْمَذْهَبِ‏.‏

وَلَوْ وَكَّلَهُ بِقَضَاءِ دَيْنٍ فَقَالَ قَضَيْته وَأَنْكَرَ الْمُسْتَحِقُّ صُدِّقَ الْمُسْتَحِقُّ بِيَمِينِهِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ‏.‏

وَقَيِّمُ الْيَتِيمِ إذَا ادَّعَى دَفْعَ الْمَالِ إلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ يَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ‏.‏

وَلَيْسَ لِوَكِيلٍ وَلَا مُودِعٍ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ طَلَبِ الْمَالِكِ لَا أَرُدُّ الْمَالَ إلَّا بِإِشْهَادٍ فِي الْأَصَحِّ، وَلِلْغَاصِبِ وَمَنْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ ذَلِكَ‏.‏

وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ وَكَّلَنِي الْمُسْتَحِقُّ بِقَبْضِ مَا لَهُ عِنْدَك مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ وَصَدَّقَهُ فَلَهُ دَفْعُهُ إلَيْهِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى وَكَالَتِهِ‏.‏

وَلَوْ قَالَ أَحَالَنِي عَلَيْك وَصَدَّقَهُ وَجَبَ الدَّفْعُ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

قُلْت‏:‏ وَإِنْ قَالَ أَنَا وَارِثُهُ وَصَدَّقَهُ وَجَبَ الدَّفْعُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

كتاب الْإِقْرَارِ

يَصِحُّ مِنْ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ، وَإِقْرَارُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَاغٍ‏.‏

فَإِنْ ادَّعَى الْبُلُوغَ بِالِاحْتِلَامِ مَعَ الْإِمْكَانِ صُدِّقَ وَلَا يُحَلَّفُ، وَإِنْ ادَّعَاهُ بِالسِّنِّ طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ‏.‏

وَالسَّفِيهُ وَالْمُفْلِسُ سَبَقَ حُكْمُ إقْرَارِهِمَا‏.‏

وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الرَّقِيقِ بِمُوجِبِ عُقُوبَةٍ، وَلَوْ أَقَرَّ بِدَيْنِ جِنَايَةٍ لَا تُوجِبُ عُقُوبَةً فَكَذَّبَهُ السَّيِّدُ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ دُونَ رَقَبَتِهِ‏.‏

وَإِنْ أَقَرَّ بِدَيْنِ مُعَامَلَةٍ لَمْ يُقْبَلْ عَلَى السَّيِّدِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ، وَيُقْبَلُ إنْ كَانَ، وَيُؤَدِّي مِنْ كَسْبِهِ وَمَا فِي يَدِهِ‏.‏

وَيَصِحُّ إقْرَارُ الْمَرِيض مَرَضَ الْمَوْتِ لِأَجْنَبِيٍّ، وَكَذَا لِوَارِثٍ عَلَى الْمَذْهَبِ‏.‏

وَلَوْ أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ بِدَيْنٍ، وَفِي مَرَضِهِ لِآخَرَ لَمْ يُقَدَّمْ الْأَوَّلُ، وَلَوْ أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ وَأَقَرَّ وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لِآخَرَ لَمْ يُقَدَّمْ الْأَوَّلُ فِي الْأَصَحِّ وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ مُكْرَهٍ‏.‏

وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُقَرِّ لَهُ أَهْلِيَّةُ اسْتِحْقَاقِ الْمُقَرِّ بِهِ، فَلَوْ قَالَ لِهَذِهِ الدَّابَّةِ عَلَيَّ كَذَا فَلَغْوٌ، فَإِنْ قَالَ بِسَبَبِهَا لِمَالِكِهَا وَجَبَ‏.‏

وَلَوْ قَالَ لِحَمْلِ هِنْدٍ كَذَا بِإِرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ لَزِمَهُ، وَإِنْ أَسْنَدَهُ إلَى جِهَةٍ لَا تُمْكِنُ فِي حَقِّهِ فَلَغْوٌ‏.‏

وَإِنْ أَطْلَقَ صَحَّ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

وَإِذَا كَذَّبَ الْمُقَرُّ لَهُ الْمُقِرَّ تُرِكَ الْمَالُ فِي يَدِهِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ رَجَعَ الْمُقِرُّ فِي حَالِ تَكْذِيبِهِ وَقَالَ غَلِطْتُ قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

فصل ‏[‏في الصيغة‏]‏

قَوْلُهُ‏:‏ لِزَيْدٍ كَذَا صِيغَةُ إقْرَارٍ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ عَلَيَّ وَفِي ذِمَّتِي لِلدَّيْنِ، وَمَعِي وَعِنْدِي لِلْعَيْنِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ‏:‏ زِنْ أَوْ خُذْ أَوْ زِنْهُ أَوْ خُذْهُ أَوْ اخْتِمْ عَلَيْهِ أَوْ اجْعَلْهُ فِي كِيسَك، فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ بَلَى أَوْ نَعَمْ أَوْ صَدَقْت أَوْ أَبْرَأَتْنِي مِنْهُ أَوْ قَضَيْته أَوْ أَنَا مُقِرٌّ بِهِ فَهُوَ إقْرَارٌ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَنَا مُقِرٌّ أَوْ أَنَا أُقِرُّ بِهِ، فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ‏.‏

وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَلَيْسَ لِي عَلَيْك كَذَا فَقَالَ بَلَى أَوْ نَعَمْ فَإِقْرَارٌ، وَفِي نَعَمْ وَجْهٌ‏.‏

وَلَوْ قَالَ‏:‏ اقْضِ الْأَلْفَ الَّذِي لِي عَلَيْك فَقَالَ‏:‏ نَعَمْ أَوْ أَقْضِي غَدًا أَوْ أَمْهِلْنِي يَوْمًا أَوْ حَتَّى أَقْعُدَ أَوْ أَفْتَحَ الْكِيسَ أَوْ أَجِدَ فَإِقْرَارٌ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

فصل ‏[‏في شروط المقَرِّ به‏]‏

يُشْتَرَطُ فِي الْمُقَرِّ بِهِ أَنْ لَا يَكُونَ مِلْكًا لِلْمُقِرِّ‏.‏

فَلَوْ قَالَ دَارِي أَوْ ثَوْبِي أَوْ دَيْنِي الَّذِي عَلَى زَيْدٍ لِعَمْرٍو فَهُوَ لَغْوٌ‏.‏

وَلَوْ قَالَ هَذَا لِفُلَانٍ، وَكَانَ مِلْكِي إلَى أَنْ أَقْرَرْت بِهِ فَأَوَّلُ كَلَامِهِ إقْرَارٌ، وَآخِرُهُ لَغْوٌ، وَلْيَكُنْ الْمُقَرُّ بِهِ فِي يَدِ الْمُقِرِّ لِيُسَلِّمَ بِالْإِقْرَارِ لِلْمُقَرِّ لَهُ‏.‏

فَلَوْ أَقَرَّ وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ ثُمَّ صَارَ عُمِلَ بِمُقْتَضَى الْإِقْرَارِ، فَلَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ‏.‏

ثُمَّ إنْ كَانَ قَالَ‏:‏ هُوَ حُرُّ الْأَصْلِ فَشِرَاؤُهُ افْتِدَاءٌ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ أَعْتَقَهُ فَافْتِدَاءٌ مِنْ جِهَتِهِ، وَبَيْعٌ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ عَلَى الْمَذْهَبِ، فَيَثْبُتُ فِيهِ الْخِيَارَانِ لِلْبَائِعِ فَقَطْ‏.‏

وَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِالْمَجْهُولِ فَإِذَا قَالَ لَهُ‏:‏ عَلَيَّ شَيْءٌ قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِكُلِّ مَا يُتَمَوَّلُ، وَإِنْ قَلَّ، وَلَوْ فَسَّرَهُ بِمَا لَا يُتَمَوَّلُ لَكِنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ، أَوْ بِمَا يَحِلُّ اقْتِنَاؤُهُ كَكَلْبٍ مُعَلَّمٍ، وَسِرْجِينٍ قُبِلَ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَلَا يُقْبَلُ بِمَا لَا يُقْتَنَى كَخِنْزِيرٍ، وَكَلْبٍ لَا نَفْعَ فِيهِ، وَلَا بِعِيَادَةٍ وَرَدِّ سَلَامٍ‏.‏

وَلَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ أَوْ مَالٍ عَظِيمٍ أَوْ كَبِيرٍ أَوْ كَثِيرٍ قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِمَا قَلَّ مِنْهُ، وَكَذَا بِالْمُسْتَوْلَدَةِ فِي الْأَصَحِّ، لَا بِكَلْبٍ جِلْدِ مَيْتَةٍ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ لَهُ كَذَا كَقَوْلِهِ‏:‏ شَيْءٌ، وَقَوْلُهُ‏:‏ شَيْءٌ شَيْءٌ أَوْ كَذَا كَذَا كَمَا لَوْ لَمْ يُكَرِّرْ، وَلَوْ قَالَ شَيْءٌ وَشَيْءٌ أَوْ كَذَا وَكَذَا وَجَبَ شَيْئَانِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ كَذَا دِرْهَمًا أَوْ رَفَعَ الدِّرْهَمَ أَوْ جَرَّهُ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا بِالنَّصْبِ وَجَبَ دِرْهَمَانِ، وَأَنَّهُ لَوْ رَفَعَ أَوْ جَرَّ فَدِرْهَمٌ، وَلَوْ حَذَفَ الْوَاوَ فَدِرْهَمٌ فِي الْأَحْوَالِ‏.‏

وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَلْفٌ وَدِرْهَمٌ قُبِلَ تَفْسِيرُ الْأَلْفِ بِغَيْرِ الدَّرَاهِمِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا فَالْجَمِيعُ دَرَاهِمُ عَلَى الصَّحِيحِ‏.‏

وَلَوْ قَالَ‏:‏ الدَّرَاهِمُ الَّتِي أَقْرَرْت بِهَا نَاقِصَةُ الْوَزْنِ، فَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الْبَلَدِ تَامَّةَ الْوَزْنِ فَالصَّحِيحُ قَبُولُهُ إنْ ذَكَرَهُ مُتَّصِلاً، وَمَنْعُهُ إنْ فَصَلَهُ عَنْ الْإِقْرَارِ، وَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً قُبِلَ إنْ وَصَلَهُ وَكَذَا إنْ فَصَلَهُ فِي النَّصِّ، وَالتَّفْسِيرُ بِالْمَغْشُوشَةِ كَهُوَ بِالنَّاقِصَةِ‏.‏

وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ لَزِمَهُ تِسْعَةٌ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَإِنْ قَالَ دِرْهَمٌ فِي عَشَرَةٍ، فَإِنْ أَرَادَ الْمَعِيَّةَ لَزِمَهُ أَحَدَ عَشَرَ، أَوْ الْحِسَابَ فَعَشَرَةٌ وَإِلَّا فَدِرْهَمٌ‏.‏

فصل ‏[‏في بيان أنواع من الإقرار وفي بيان الاستثناء‏]‏

قَالَ‏:‏ لَهُ عِنْدِي سَيْفٌ فِي غِمْدٍ أَوْ ثَوْبٌ فِي صُنْدُوقٍ لَا يَلْزَمُهُ الظَّرْفُ، أَوْ غِمْدٌ فِيهِ سَيْفٌ أَوْ صُنْدُوقٌ فِيهِ ثَوْبٌ لَزِمَهُ الظَّرْفُ وَحْدَهُ، أَوْ عَبْدٌ عَلَى رَأْسِهِ عِمَامَةٌ لَمْ تَلْزَمْهُ الْعِمَامَةُ عَلَى الصَّحِيحِ، أَوْ دَابَّةٌ بِسَرْجِهَا أَوْ ثَوْبٌ مُطَرَّزٌ لَزِمَهُ الْجَمِيعُ‏.‏

وَلَوْ قَالَ فِي مِيرَاثِ أَبِي أَلْفٌ فَهُوَ إقْرَارٌ عَلَى أَبِيهِ بِدَيْنٍ، وَلَوْ قَالَ فِي مِيرَاثِي مِنْ أَبِي أَلْفٌ، فَهُوَ وَعْدُ هِبَةٍ، وَلَوْ قَالَ لَهُ‏:‏ عَلَيَّ دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ‏.‏

فَإِنْ قَالَ‏:‏ وَدِرْهَمٌ لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ وَلَوْ قَالَ‏:‏ لَهُ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ لَزِمَهُ بِالْأَوَّلَيْنِ دِرْهَمَانِ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ تَأْكِيدَ الثَّانِي لَمْ يَجِبْ بِهِ شَيْءٌ، وَإِنْ نَوَى الِاسْتِئْنَافَ لَزِمَهُ ثَالِثٌ، وَكَذَا إنْ نَوَى تَأْكِيدَ الْأَوَّلِ أَوْ أَطْلَقَ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَمَتَى أَقَرَّ بِمُبْهَمٍ كَشَيْءٍ وَثَوْبٍ وَطُولِبَ بِالْبَيَانِ فَامْتَنَعَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُحْبَسُ‏.‏

وَلَوْ بَيَّنَ وَكَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فَلْيُبَيِّنْ وَلْيَدَّعِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ فِي نَفْيِهِ‏.‏

وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ ثُمَّ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ فِي يَوْمٍ آخَرَ لَزِمَهُ أَلْفٌ فَقَطْ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْقَدْرُ دَخَلَ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ، فَلَوْ وَصَفَهُمَا بِصِفَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ أَوْ أَسْنَدَهُمَا إلَى جِهَتَيْنِ أَوْ قَالَ قَبَضْتُ يَوْمَ السَّبْتِ عَشَرَةً، ثُمَّ قَالَ قَبَضْتُ يَوْمَ الْأَحَدِ عَشَرَةً لَزِمَا، وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَى أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ كَلْبٍ أَوْ أَلْفٌ قَضَيْتُهُ لَزِمَهُ الْأَلْفُ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَوْ قَالَ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ لَمْ أَقْبِضْهُ إذَا سَلَّمَهُ سَلَّمْت قُبِلَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَجَعَلَهُ ثَمَنًا‏.‏

وَلَوْ قَالَ‏:‏ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَوْ قَالَ أَلْفٌ لَا يَلْزَمُ لَزِمَهُ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ ثُمَّ جَاءَ بِأَلْفٍ وَقَالَ‏:‏ أَرَدْتُ بِهِ هَذَا وَهُوَ وَدِيعَةٌ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ‏:‏ لِي عَلَيْك أَلْفٌ آخَرُ صُدِّقَ الْمُقِرُّ فِي الْأَظْهَرِ بِيَمِينِهِ‏.‏

فَإِنْ كَانَ قَالَ فِي ذِمَّتِي أَوْ دَيْنًا صُدِّقَ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ قُلْت‏:‏ فَإِذَا قَبِلْنَا التَّفْسِيرَ الْوَدِيعَةِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا أَمَانَةٌ فَيُقْبَلُ دَعْوَاهُ التَّلَفَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَدَعْوَى الرَّدِّ،، وَإِنْ قَالَ لَهُ عِنْدِي أَوْ مَعِي أَلْفٌ صُدِّقَ فِي دَعْوَى الْوَدِيعَةِ وَالرَّدِّ وَالتَّلَفِ قَطْعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَلَوْ أَقَرَّ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ وَإِقْبَاضٍ ثُمَّ قَالَ كَانَ فَاسِدًا وَأَقْرَرْت لِظَنِّي الصِّحَّةَ لَمْ يُقْبَلْ وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُقِرُّ وَبَرِئَ‏.‏

وَلَوْ قَالَ‏:‏ هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ بَلْ لِعَمْرٍو أَوْ غَصَبْتُهَا مِنْ زَيْدٍ بَلْ مِنْ عَمْرٍو سُلِّمَتْ لِزَيْدٍ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُقِرَّ يَغْرَمُ قِيمَتَهَا لِعَمْرٍو بِالْإِقْرَارِ‏.‏

وَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ إنْ اتَّصَلَ وَلَمْ يَسْتَغْرِقْ‏.‏

فَلَوْ قَالَ‏:‏ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً إلَّا ثَمَانِيَةً لَزِمَهُ تِسْعَةٌ‏.‏

وَيَصِحُّ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ كَأَلْفٍ إلَّا ثَوْبًا، وَيُبَيِّنُ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ دُونَ أَلْفٍ‏.‏

وَمِنْ الْمُعَيَّنِ كَهَذِهِ الدَّارُ لَهُ إلَّا هَذَا الْبَيْتَ، أَوْ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ لَهُ إلَّا ذَا الدِّرْهَمَ، وَفِي الْمُعَيَّنِ وَجْهٌ شَاذٌّ‏.‏

قُلْت‏:‏ لَوْ قَالَ هَؤُلَاءِ الْعَبِيدُ لَهُ إلَّا وَاحِدًا قُبِلَ وَرَجَعَ فِي الْبَيَانِ إلَيْهِ، فَإِنْ مَاتُوا إلَّا وَاحِدًا وَزَعَمَ أَنَّهُ الْمُسْتَثْنَى صُدِّقَ بِيَمِينِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

فصل ‏[‏في الإقرار بالنسب‏]‏

أَقَرَّ بِنَسَبٍ إنْ أَلْحَقَهُ بِنَفْسِهِ اُشْتُرِطَ لِصِحَّتِهِ أَنْ لَا يُكَذِّبَهُ الْحِسُّ وَلَا الشَّرْعُ، بِأَنْ يَكُونَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُسْتَلْحَقُ إنْ كَانَ أَهْلاً لِلتَّصْدِيقِ‏.‏

فَإِنْ كَانَ بَالِغًا فَكَذَّبَهُ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ اسْتَلْحَقَ صَغِيرًا ثَبَتَ، فَلَوْ بَلَغَ وَكَذَّبَهُ لَمْ يَبْطُلْ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَيَصِحُّ أَنْ يَسْتَلْحِقَ مَيِّتًا صَغِيرًا، وَكَذَا كَبِيرٌ فِي الْأَصَحِّ، وَيَرِثُهُ‏.‏

وَلَوْ اسْتَلْحَقَ اثْنَانِ بَالِغًا ثَبَتَ لِمَنْ صَدَّقَهُ وَحُكْمُ الصَّغِيرِ يَأْتِي فِي اللَّقِيطِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

وَلَوْ قَالَ لِوَلَدِ أَمَتِهِ‏:‏ هَذَا وَلَدِي ثَبَتَ نَسَبُهُ، وَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ فِي الْأَظْهَرِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ وَلَدِي وَلَدْتُهُ فِي مِلْكِي، فَإِنْ قَالَ‏:‏ عَلِقَتْ بِهِ فِي مِلْكِي ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ فَإِنْ كَانَتْ فِرَاشًا لَهُ لَحِقَهُ بِالْفِرَاشِ، مِنْ غَيْرِ اسْتِلْحَاقٍ، وَإِنْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً فَالْوَلَدُ لِلزَّوْجِ، وَاسْتِلْحَاقُ السَّيِّدِ بَاطِلٌ‏.‏

وَأَمَّا إذَا أَلْحَقَ النَّسَبَ بِغَيْرِهِ كَهَذَا أَخِي أَوْ عَمِّي، فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْمُلْحَقِ بِهِ بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُلْحَقِ بِهِ مَيِّتًا، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ نَفَاهُ فِي الْأَصَحِّ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُقِرِّ وَارِثًا حَائِزًا، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُسْتَلْحَقَ لَا يَرِثُ وَلَا يُشَارِكُ الْمُقِرَّ فِي حِصَّتِهِ، وَأَنَّ الْبَالِغَ مِنْ الْوَرَثَةِ لَا يَنْفَرِدُ بِالْإِقْرَارِ‏.‏

وَأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الْوَارِثَيْنِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ، وَمَاتَ وَلَمْ يَرِثْهُ إلَّا الْمُقِرُّ ثَبَتَ النَّسَبُ‏.‏

وَأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ ابْنٌ حَائِزٍ بِأُخُوَّةِ مَجْهُولٍ فَأَنْكَرَ الْمَجْهُولُ نَسَبَ الْمُقِرِّ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ، وَيَثْبُتُ أَيْضًا نَسَبُ الْمَجْهُولِ، وَأَنَّهُ إذَا كَانَ الْوَارِثُ الظَّاهِرُ يَحْجُبُهُ الْمُسْتَلْحَقُ كَأَخٍ أَقَرَّ بِابْنٍ لِلْمَيِّتِ ثَبَتَ النَّسَبُ وَلَا إرْثَ‏.‏

كتاب الْعَارِيَّةِ

شَرْطُ الْمُعِيرِ صِحَّةُ تَبَرُّعِهِ وَمِلْكُهُ الْمَنْفَعَةَ فَيُعِيرُ مُسْتَأْجِرٌ لَا مُسْتَعِيرٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَسْتَوْفِي الْمَنْفَعَةَ لَهُ‏.‏

وَالْمُسْتَعَارِ كَوْنُهُ مُنْتَفَعًا بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ‏.‏

وَتَجُوزُ إعَارَةُ جَارِيَةٍ لِخِدْمَةِ امْرَأَةٍ أَوْ مَحْرَمٍ‏.‏

وَيُكْرَهُ إعَارَةُ عَبْدٍ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ‏.‏

وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ لَفْظٍ كَأَعَرْتُكَ أَوْ أَعِرْنِي، وَيَكْفِي لَفْظُ أَحَدِهِمَا مَعَ فِعْلِ الْآخَرِ‏.‏

وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَعَرْتُكَهُ لِتَعْلِفهُ أَوْ لِتُعِيرَنِي فَرَسَكَ فَهُوَ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ تُوجِبُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ‏.‏

وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ‏.‏

فَإِنْ تَلِفَتْ لَا بِاسْتِعْمَالٍ ضَمِنَهَا، وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَا يَنْمَحِقُ أَوْ يَنْسَحِقُ بِاسْتِعْمَالٍ، وَالثَّالِثُ يَضْمَنُ الْمُنْمَحِقَ، وَالْمُسْتَعِيرُ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ لَا يَضْمَنُ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَلَوْ تَلِفَتْ دَابَّتُهُ فِي يَدِ وَكِيلٍ بَعْثُهُ فِي شُغْلِهِ أَوْ فِي يَدِ مَنْ سَلَّمَهَا إلَيْهِ لِيُرَوِّضَهَا فَلَا ضَمَانَ، وَلَهُ الِانْتِفَاعُ بِحَسَبِ الْإِذْنِ‏.‏

فَإِنْ أَعَارَهُ لِزِرَاعَةِ حِنْطَةٍ زَرَعَهَا وَمِثْلَهَا إنْ لَمْ يَنْهَهُ، أَوْ لِشَعِيرٍ لَمْ يَزْرَعْ فَوْقَهُ كَحِنْطَةٍ، وَلَوْ أَطْلَقَ الزِّرَاعَةَ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ وَيَزْرَعُ مَا شَاءَ وَإِذَا اسْتَعَارَ لِبِنَاءٍ أَوْ غِرَاسٍ فَلَهُ الزَّرْعُ وَلَا عَكْسَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَغْرِسُ مُسْتَعِيرٌ لِبِنَاءٍ وَكَذَا الْعَكْسُ، وَأَنَّهُ لَا تَصِحُّ إعَارَةُ الْأَرْضِ مُطْلَقَةً، بَلْ يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ نَوْعِ الْمَنْفَعَةِ‏.‏

فصل ‏[‏في رد العارية‏]‏

لِكُلٍّ مِنْهُمَا رَدُّ الْعَارِيَّةِ مَتَى شَاءَ إلَّا إذَا أَعَارَ لِدَفْنٍ فَلَا يَرْجِعُ حَتَّى يَنْدَرِسَ أَثَرُ الْمَدْفُونِ وَإِذَا أَعَارَ لِلْبِنَاءِ أَوْ الْغِرَاسِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُدَّةً ثُمَّ رَجَعَ إنْ كَانَ شَرَطَ الْقَلْعَ مَجَّانًا لَزِمَهُ، وَإِلَّا فَإِنْ اخْتَارَ الْمُسْتَعِيرُ الْقَلْعَ قَلَعَ، وَلَا يَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ الْأَصَحُّ تَلْزَمُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ لَمْ يَقْلَعْ مَجَّانًا، بَلْ لِلْمُعِيرِ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يُبْقِيَهُ بِأُجْرَةٍ أَوْ يَقْلَعَ وَيَضْمَنَ أَرْشَ النَّقْصِ، قِيلَ أَوْ يَتَمَلَّكَهُ بِقِيمَتِهِ‏.‏

فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ لَمْ يَقْلَعْ مَجَّانًا إنْ بَذَلَ الْمُسْتَعِيرُ الْأُجْرَةَ وَكَذَا إنْ لَمْ يَبْذُلْهَا فِي الْأَصَحِّ، ثُمَّ قِيلَ يَبِيعُ الْحَاكِمُ الْأَرْضَ وَمَا فِيهَا وَيَقْسِمُ بَيْنَهُمَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُعْرِضُ عَنْهُمَا حَتَّى يَخْتَارَا شَيْئًا، وَلِلْمُعِيرِ دُخُولُهَا وَالِانْتِفَاعُ بِهَا، وَلَا يَدْخُلُهَا الْمُسْتَعِيرُ بِغَيْرِ إذْنٍ لِلتَّفَرُّجِ، وَيَجُوزُ لِلسَّقْيِ وَالْإِصْلَاحِ فِي الْأَصَحِّ وَلِكُلٍّ بَيْعُ مِلْكِهِ، وَقِيلَ لَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ بَيْعُهُ لِثَالِثٍ‏.‏

وَالْعَارِيَّةُ الْمُؤَقَّتَةُ كَالْمُطْلَقَةِ، وَفِي قَوْلٍ لَهُ الْقَلْعُ فِيهَا مَجَّانًا إذَا رَجَعَ‏.‏

وَإِذَا أَعَارَهُ لِزِرَاعَةٍ وَرَجَعَ قَبْلَ إدْرَاكِ الزَّرْعِ، فَالصَّحِيحُ أَنَّ عَلَيْهِ الْإِبْقَاءَ إلَى الْحَصَادِ، وَأَنَّ لَهُ الْأُجْرَةَ، فَلَوْ عَيَّنَ مُدَّةً وَلَمْ يُدْرَكْ فِيهَا لِتَقْصِيرِهِ بِتَأْخِيرِ الزِّرَاعَةِ قَلَعَ مَجَّانًا‏.‏

وَلَوْ حَمَلَ السَّيْلُ بَذْرًا إلَى أَرْضِهِ فَنَبَتَ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى قَلْعِهِ‏.‏

وَلَوْ رَكِبَ دَابَّةً وَقَالَ لِمَالِكِهَا أَعَرْتنِيهَا فَقَالَ بَلْ أَجَرْتُكهَا، أَوْ اخْتَلَفَ مَالِكُ الْأَرْضِ وَزَارِعُهَا كَذَلِكَ فَالْمُصَدَّقُ الْمَالِكُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ‏:‏ أَعَرْتَنِي‏.‏

وَقَالَ بَلْ غَصَبْتَ مِنِّي، فَإِنْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى الضَّمَانِ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْعَارِيَّةَ تُضْمَنُ بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ، لَا بِأَقْصَى الْقِيَمِ وَلَا بِيَوْمِ الْقَبْضِ، فَإِنْ كَانَ مَا يَدَّعِيهِ الْمَالِكُ أَكْثَرَ حَلَفَ لِلزِّيَادَةِ‏.‏

كتاب الْغَصْبِ

هُوَ‏:‏ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ عُدْوَانًا‏.‏

فَلَوْ رَكِبَ دَابَّةً أَوْ جَلَسَ عَلَى فِرَاشٍ فَغَاصِبٌ وَإِنْ لَمْ يُنْقَلْ‏.‏

وَلَوْ دَخَلَ دَارِهِ وَأَزْعَجَهُ عَنْهَا أَوْ أَزْعَجَهُ وَقَهَرَهُ عَلَى الدَّارِ وَلَمْ يَدْخُلْ فَغَاصِبٌ، وَفِي الثَّانِيَةِ وَجْهٌ وَاهٍ‏.‏

وَلَوْ سَكَنَ بَيْتًا وَمَنَعَ الْمَالِكَ مِنْهُ دُونَ بَاقِي الدَّارِ فَغَاصِبٌ لِلْبَيْتِ فَقَطْ، وَلَوْ دَخَلَ بِقَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ وَلَيْسَ الْمَالِكُ فِيهَا فَغَاصِبٌ، وَإِنْ كَانَ وَلَمْ يُزْعِجْهُ فَغَاصِبٌ لِنِصْفِ الدَّارِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَعِيفًا لَا يُعَدُّ مُسْتَوْلِيًا عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ‏.‏

وَعَلَى الْغَاصِبِ الرَّدُّ‏.‏

فَإِنْ تَلِفَ عِنْدَهُ ضَمِنَهُ‏.‏

وَلَوْ أَتْلَفَ مَالاً فِي يَدِ مَالِكِهِ ضَمِنَهُ‏.‏

وَلَوْ فَتَحَ رَأْسَ زِقٍّ مَطْرُوحٍ عَلَى الْأَرْضِ فَخَرَجَ مَا فِيهِ بِالْفَتْحِ، أَوْ مَنْصُوبٍ فَسَقَطَ بِالْفَتْحِ وَخَرَجَ مَا فِيهِ ضَمِنَ، وَإِنْ سَقَطَ بِعَارِضِ رِيحٍ لَمْ يَضْمَنْ‏.‏

وَلَوْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ وَهَيَّجَهُ فَطَارَ ضَمِنَهُ، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْفَتْحِ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا طَارَ فِي الْحَالِ ضَمِنَ، وَإِنْ وَقَفَ ثُمَّ طَارَ فَلَا‏.‏

وَالْأَيْدِي الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ أَيْدِي ضَمَانٍ وَإِنْ جَهِلَ صَاحِبُهَا الْغَصْبَ، ثُمَّ إنْ عَلِمَ فَكَغَاصِبٍ مِنْ غَاصِبٍ فَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ، وَكَذَا إنْ جَهِلَ وَكَانَتْ يَدُهُ فِي أَصْلِهَا يَدَ ضَمَانٍ كَالْعَارِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ يَدَ أَمَانَةٍ كَوَدِيعَةٍ فَالْقَرَارُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَمَتَى أَتْلَفَ الْآخِذُ مِنْ الْغَاصِبِ مُسْتَقِلًّا بِهِ فَالْقَرَارُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا‏.‏

وَإِنْ حَمَلَهُ الْغَاصِبُ عَلَيْهِ بِأَنْ قَدَّمَ لَهُ طَعَامًا مَغْصُوبًا ضِيَافَةً فَأَكَلَهُ فَكَذَا فِي الْأَظْهَرِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَدَّمَهُ لِمَالِكِهِ فَأَكَلَهُ بَرِئَ الْغَاصِبُ‏.‏

فصل ‏[‏في بيان حكم الغصب‏]‏

تُضْمَنُ نَفْسُ الرَّقِيقِ بِقِيمَتِهِ تَلِفَ أَوْ أُتْلِفَ تَحْتَ يَدٍ عَادِيَةٍ، وَأَبْعَاضُهُ الَّتِي لَا يَتَقَدَّرُ أَرْشُهَا مِنْ الْحُرِّ بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ، وَكَذَا الْمُقَدَّرَةُ إنْ تَلِفَتْ، وَإِنْ أُتْلِفَتْ فَكَذَا فِي الْقَدِيمِ، وَعَلَى الْجَدِيدِ تَتَقَدَّرُ مِنْ الرَّقِيقِ، وَالْقِيمَةُ فِيهِ كَالدِّيَةِ فِي الْحُرِّ، فَفِي يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ، وَسَائِرُ الْحَيَوَانِ بِالْقِيمَةِ، وَغَيْرُهُ مِثْلِيٌّ وَمُتَقَوِّمٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمِثْلِيَّ مَا حَصَرَهُ كَيْلٌ أَوْ وَزْنٌ وَجَازَ السَّلَمُ فِيهِ، كَمَاءٍ وَتُرَابٍ وَنُحَاسٍ وَتِبْرٍ وَمِسْكٍ وَكَافُورٍ وَقُطْنٍ وَعِنَبٍ وَدَقِيقٍ، لَا غَالِيَةٍ وَمَعْجُونٍ فَيُضْمَنُ الْمِثْلِيُّ بِمِثْلِهِ تَلِفَ أَوْ أُتْلِفَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَالْقِيمَةُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَقْصَى قِيَمِهِ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ إلَى تَعَذُّرِ الْمِثْلِ‏.‏

وَلَوْ نَقَلَ الْمَغْصُوبُ الْمِثْلِيَّ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُكَلِّفَهُ رَدَّهُ وَأَنْ يُطَالِبَهُ بِالْقِيمَةِ فِي الْحَالِ، فَإِذَا رَدَّهُ رَدَّهَا، فَإِنْ تَلِفَ فِي الْبَلَدِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ طَالَبَهُ بِالْمِثْلِ فِي أَيِّ الْبَلَدَيْنِ شَاءَ، فَإِنْ فَقَدَ الْمِثْلَ غَرَّمَهُ قِيمَةَ أَكْثَرِ الْبَلَدَيْنِ قِيمَةً‏.‏

وَلَوْ ظَفِرَ بِالْغَاصِبِ فِي غَيْرِ بَلَدِ التَّلَفِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَا مُؤْنَةَ لِنَقْلِهِ كَالنَّقْدِ فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْمِثْلِ وَإِلَّا فَلَا مُطَالَبَةَ بِالْمِثْلِ بَلْ يُغَرِّمُهُ قِيمَةَ بَلَدِ التَّلَفِ، وَأَمَّا الْمُتَقَوِّمُ فَيُضْمَنُ بِأَقْصَى قِيَمِهِ مِنْ الْغَصْبِ، إلَى التَّلَفِ، وَفِي الْإِتْلَافِ بِلَا غَصْبٍ بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ‏.‏

فَإِنْ جَنَى وَتَلِفَ بِسِرَايَةٍ فَالْوَاجِبُ الْأَقْصَى أَيْضًا، وَلَا تُضْمَنُ الْخَمْرُ وَلَا تُرَاقُ عَلَى ذِمِّيٍّ إلَّا أَنْ يُظْهِرَ شُرْبَهَا أَوْ بَيْعَهَا، وَتُرَدُّ عَلَيْهِ إنْ بَقِيَتْ الْعَيْنُ وَكَذَا الْمُحْتَرَمَةُ إذَا غُصِبَتْ مِنْ مُسْلِمٍ‏.‏

وَالْأَصْنَامُ وَآلَاتُ الْمَلَاهِي لَا يَجِبُ فِي إبْطَالِهَا شَيْءٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تُكْسَرُ الْكَسْرَ الْفَاحِشَ، بَلْ تُفْصَلُ لِتَعُودَ كَمَا قَبْلَ التَّأْلِيفِ، فَإِنْ عَجَزَ الْمُنْكِرُ عَنْ رِعَايَةِ هَذَا الْحَدِّ لِمَنْعِ صَاحِبِ الْمُنْكَرِ أَبْطَلَهُ كَيْفَ تَيَسَّرَ، وَتُضْمَنُ مَنْفَعَةُ الدَّارِ وَالْعَبْدِ وَنَحْوِهِمَا بِالتَّفْوِيتِ وَالْفَوَاتِ فِي يَدٍ عَادِيَةٍ‏.‏

وَلَا تُضْمَنُ مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ إلَّا بِتَفْوِيتٍ، وَكَذَا مَنْفَعَةُ بَدَنِ الْحُرِّ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَإِذَا نَقَصَ الْمَغْصُوبُ بِغَيْرِ اسْتِعْمَالٍ وَجَبَ الْأَرْشُ مَعَ الْأُجْرَةِ، وَكَذَا لَوْ نَقَصَ بِهِ بِأَنْ بَلِيَ الثَّوْبُ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

فَصْلٌ ‏[‏في اختلاف المالك والغاصب‏]‏

ادَّعَى تَلَفَهُ وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ عَلَى الصَّحِيحِ‏.‏

فَإِذَا حَلَفَ غَرَّمَهُ الْمَالِكُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَتِهِ أَوْ فِي الثِّيَابِ الَّتِي عَلَى الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ أَوْ فِي عَيْبٍ خُلُقِيٍّ صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ، وَفِي عَيْبٍ حَادِثٍ يُصَدَّقُ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ رَدَّهُ نَاقِصَ الْقِيمَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٍ‏.‏

وَلَوْ غَصَبَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ فَصَارَتْ بِالرُّخْصِ دِرْهَمًا ثُمَّ لَبِسَهُ فَصَارَتْ نِصْفَ دِرْهَمٍ فَرَدَّهُ لَزِمَهُ خَمْسَةٌ، وَهِيَ قِسْطُ التَّالِفِ مِنْ أَقْصَى الْقِيَمِ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ وَلَوْ غَصَبَ خُفَّيْنِ قِيمَتُهُمَا عَشَرَةٌ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا وَرَدَّ الْآخَرَ وَقِيمَتُهُ دِرْهَمَانِ أَوْ أُتْلِفَ أَحَدُهُمَا غَصْبًا أَوْ فِي يَدِ مَالِكِهِ لَزِمَهُ ثَمَانِيَةٌ فِي الْأَصَحِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَلَوْ حَدَثَ نَقْصٌ يَسْرِي إلَى التَّلَفِ بِأَنْ جَعَلَ الْحِنْطَةَ هَرِيسَةً فَكَالتَّالِفِ، وَفِي قَوْلٍ يَرُدُّهُ مَعَ أَرْشِ النَّقْصِ وَلَوْ جَنَى الْمَغْصُوبُ فَتَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ لَزِمَ الْغَاصِبَ تَخْلِيصُهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْمَالِ، فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ غَرَّمَهُ الْمَالِكُ، وَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ تَغْرِيمُهُ وَأَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَا أَخَذَهُ الْمَالِكُ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَلَوْ رَدَّ الْعَبْدَ إلَى الْمَالِك فَبِيعَ فِي الْجِنَايَةِ رَجَعَ الْمَالِكُ بِمَا أَخَذَهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَلَى الْغَاصِبِ‏.‏

وَلَوْ غَصَبَ أَرْضًا فَنَقَلَ تُرَابَهَا أَجْبَرَهُ الْمَالِكُ عَلَى رَدِّهِ أَوْ رَدِّ مِثْلِهِ وَإِعَادَةِ الْأَرْضِ كَمَا كَانَتْ، وَلِلنَّاقِلِ الرَّدُّ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهُ الْمَالِكُ إنْ كَانَ لَهُ فِيهِ غَرَضٌ، وَإِلَّا فَلَا يَرُدُّهُ بِلَا إذْنٍ فِي الْأَصَحِّ، وَيُقَاسُ بِمَا ذَكَرْنَا حَفْرُ الْبِئْرِ وَطَمِّهَا، وَإِذَا أَعَادَ الْأَرْضَ كَمَا كَانَتْ وَلَمْ يَبْقَ نَقْصٌ فَلَا أَرْشَ لَكِنْ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمُدَّةِ الْإِعَادَةِ، وَإِنْ بَقِيَ نَقْصٌ وَجَبَ أَرْشُهُ مَعَهَا وَلَوْ غَصَبَ زَيْتًا وَنَحْوَهُ وَأَغْلَاهُ فَنَقَصَتْ عَيْنُهُ دُونَ قِيمَتِهِ، رَدَّهُ وَلَزِمَهُ مِثْلُ الذَّاهِبِ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ فَقَطْ لَزِمَهُ الْأَرْشُ، وَإِنْ نَقَصَتَا غَرِمَ الذَّاهِبُ وَرَدَّ الْبَاقِيَ مَعَ أَرْشِهِ إنْ كَانَ نَقْصُ الْقِيمَةِ أَكْثَرُ‏.‏

وَالْأَصَحُّ أَنَّ السِّمَنَ لَا يَجْبُرُ نَقْصَ هُزَالٍ قَبْلَهُ، وَأَنَّ تَذَكُّرَ صَنْعَةٍ نَسِيَهَا يَجْبُرُ النِّسْيَانَ، وَتَعَلُّمُ صَنْعَةٍ لَا يَجْبُرُ نِسْيَانَ أُخْرَى قَطْعًا‏.‏

وَلَوْ غَصَبَ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْخَلَّ لِلْمَالِكِ وَعَلَى الْغَاصِبِ الْأَرْشُ إنْ كَانَ الْخَلُّ أَنْقَصَ قِيمَةً‏.‏

وَلَوْ غَصَبَ خَمْرًا فَتَخَلَّلَتْ أَوْ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَدَبَغَهُ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْخَلَّ وَالْجِلْدَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ‏.‏

فصل ‏[‏فيما يطرأ على المغصوب من زيادة ووطء وانتقال‏]‏

زِيَادَةُ الْمَغْصُوبِ إنْ كَانَتْ أَثَرًا مَحْضًا؛ كَقَصَّارَةٍ فَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ بِسَبَبِهَا، وَلِلْمَالِكِ تَكْلِيفُهُ رَدَّهُ كَمَا كَانَ إنْ أَمْكَنَ، وَأَرْشَ النَّقْصِ‏.‏

وَإِنْ كَانَتْ عَيْنًا كَبِنَاءٍ وَغِرَاسٍ كُلِّفَ الْقَلْعَ‏.‏

وَإِنْ صَبَغَ الثَّوْبَ بِصَبْغِهِ وَأَمْكَنَ فَصْلُهُ أُجْبِرَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَإِنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ فَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ فِيهِ، وَإِنْ نَقَصَتْ لَزِمَهُ الْأَرْشُ وَإِنْ زَادَتْ اشْتَرَكَا فِيهِ‏.‏

وَلَوْ خَلَطَ الْمَغْصُوبَ بِغَيْرِهِ وَأَمْكَنَ التَّمْيِيزُ لَزِمَهُ، وَإِنْ شَقَّ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَالتَّالِفِ فَلَهُ تَغْرِيمُهُ، وَلِلْغَاصِبِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ غَيْرِ الْمَخْلُوطِ‏.‏

وَلَوْ غَصَبَ خَشَبَةً وَبَنَى عَلَيْهَا أُخْرِجَتْ، وَلَوْ أَدْرَجَهَا فِي سَفِينَةٍ فَكَذَلِكَ إلَّا أَنْ يَخَافَ تَلَفَ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ مَعْصُومَيْنِ‏.‏

وَلَوْ وَطِئَ الْمَغْصُوبَةَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ، حُدَّ، وَإِنْ جَهِلَ فَلَا حَدَّ، وَفِي الْحَالَيْنِ يَجِبُ الْمَهْرُ إلَّا أَنْ تُطَاوِعَهُ فَلَا يَجِبُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَعَلَيْهَا الْحَدُّ إنْ عَلِمَتْ وَوَطْءُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ كَوَطْئِهِ فِي الْحَدِّ وَالْمَهْرِ، فَإِنْ غَرِمَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ فِي الْأَظْهَرِ، وَإِنْ أَحْبَلَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ غَيْرُ نَسِيبٍ، وَإِنْ جَهِلَ فَحُرٌّ نَسِيبٌ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ الِانْفِصَالِ، وَيَرْجِعُ بِهَا الْمُشْتَرِي عَلَى الْغَاصِبِ وَلَوْ تَلِفَ الْمَغْصُوبُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَغَرِمَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ، وَكَذَا لَوْ تَعَيَّبَ عِنْدَهُ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَا يَرْجِعُ بِغُرْمِ مَنْفَعَةٍ اسْتَوْفَاهَا فِي الْأَظْهَرِ وَيَرْجِعُ بِغُرْمِ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ وَبِأَرْشِ نَقْصِ بِنَائِهِ وَغِرَاسِهِ إذَا نَقَصَ فِي الْأَصَحِّ، وَكُلُّ مَا لَوْ غَرِمَهُ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِهِ وَلَوْ غَرِمَهُ الْغَاصِبُ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَمَا لَا فَيَرْجِعُ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ وَكُلُّ مَنْ انْبَنَتْ يَدُهُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ فَكَالْمُشْتَرِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

كتاب الشُّفْعَةِ

لَا تَثْبُتُ فِي مَنْقُولٍ، بَلْ فِي أَرْضٍ وَمَا فِيهَا مِنْ بِنَاءٍ وَشَجَرٍ تَبَعًا وَكَذَا ثَمَرٌ لَمْ يُؤَبَّرْ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا شُفْعَةَ فِي حُجْرَةٍ بُنِيَتْ عَلَى سَقْفٍ غَيْرِ مُشْتَرَكٍ وَكَذَا مُشْتَرَكٌ فِي الْأَصَحِّ، وَكُلُّ مَا لَوْ قُسِمَ بَطَلَتْ مَنْفَعَتُهُ الْمَقْصُودَةُ كَحَمَّامٍ وَرَحًى لَا شُفْعَةَ فِيهِ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَلَا شُفْعَةَ إلَّا لِشَرِيكٍ‏.‏

وَلَوْ بَاعَ دَارًا وَلَهُ شَرِيكٌ فِي مَمَرِّهَا فَلَا شُفْعَةَ لَهُ فِيهَا، وَالصَّحِيحُ ثُبُوتُهَا فِي الْمَمَرِّ إنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي طَرِيقٌ آخَرُ إلَى الدَّارِ، أَوْ أَمْكَنَ فَتْحُ باب إلَى شَارِعٍ وَإِلَّا فَلَا‏.‏

وَإِنَّمَا تَثْبُتُ فِيمَا مُلِكَ بِمُعَاوَضَةٍ مِلْكًا لَازِمًا مُتَأَخِّرًا عَنْ مِلْكِ الشَّفِيعِ كَمَبِيعٍ وَمَهْرٍ وَعِوَضِ خُلْعٍ وَصُلْحِ دَمٍ، وَنُجُومٍ وَأُجْرَةٍ وَرَأْسِ مَالِ سَلَمٍ‏.‏

وَلَوْ شُرِطَ فِي الْبَيْعِ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ لَمْ يُؤْخَذْ بِالشُّفْعَةِ حَتَّى يَنْقَطِعَ الْخِيَارُ، وَإِنْ شُرِطَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ إنْ قُلْنَا‏:‏ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَلَا‏.‏

وَلَوْ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالشِّقْصِ عَيْبًا وَأَرَادَ رَدَّهُ بِالْعَيْبِ وَأَرَادَ الشَّفِيعُ أَخْذَهُ، وَيَرْضَى بِالْعَيْبِ فَالْأَظْهَرُ إجَابَةُ الشَّفِيعِ‏.‏

وَلَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ دَارًا أَوْ بَعْضَهَا فَلَا شُفْعَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ‏.‏

وَلَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي شِرْكٌ فِي الْأَرْضِ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الشَّرِيكَ لَا يَأْخُذُ كُلَّ الْمَبِيعِ بَلْ حِصَّتَهُ‏.‏

وَلَا يُشْتَرَطُ فِي التَّمَلُّكِ بِالشُّفْعَةِ حُكْمُ حَاكِمٍ وَلَا إحْضَارُ الثَّمَنِ وَلَا حُضُورُ الْمُشْتَرِي، وَيُشْتَرَطُ لَفْظٌ مِنْ الشَّفِيعِ كَتَمَلَّكْت أَوْ أَخَذْت بِالشُّفْعَةِ، وَيُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ إمَّا تَسْلِيمُ الْعِوَضِ إلَى الْمُشْتَرِي فَإِذَا تَسَلَّمَهُ أَوْ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي التَّسَلُّمَ مَلَكَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ، وَإِمَّا رِضَى الْمُشْتَرِي بِكَوْنِ الْعِوَضِ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِمَّا قَضَاءُ الْقَاضِي لَهُ بِالشُّفْعَةِ إذَا حَضَرَ مَجْلِسَهُ وَأَثْبَتَ حَقَّهُ فَيَمْلِكُ بِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَتَمَلَّكُ شِقْصًا لَمْ يَرَهُ الشَّفِيعُ عَلَى الْمَذْهَبِ‏.‏

فَصْلٌ ‏[‏في بيان بدل الشقص الذي يؤخذ به والاختلاف في قدر الثمن‏]‏

إذَا اشْتَرَى بِمِثْلِيٍّ أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِمِثْلِهِ، أَوْ بِمُتَقَوِّمٍ فَبِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْبَيْعِ، وَقِيلَ يَوْمَ اسْتِقْرَارِهِ بِانْقِطَاعِ الْخِيَارِ، أَوْ بِمُؤَجَّلٍ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُعَجِّلَ وَيَأْخُذَ فِي الْحَالِ أَوْ يَصْبِرَ إلَى الْمَحَلِّ يَأْخُذُ وَلَوْ بِيعَ شِقْصٌ وَغَيْرُهُ أَخَذَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْقِيمَةِ، وَيُؤْخَذُ الْمَمْهُورُ بِمَهْرِ مِثْلِهَا وَكَذَا عِوَضُ الْخُلْعِ، وَلَوْ اشْتَرَى بِجُزَافٍ وَتَلِفَ امْتَنَعَ الْأَخْذُ‏.‏

فَإِنْ عَيَّنَ الشَّفِيعُ قَدْرًا وَقَالَ الْمُشْتَرِي‏:‏ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومَ الْقَدْرِ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، وَإِنْ ادَّعَى عِلْمَهُ وَلَمْ يُعَيِّنْ قَدْرًا لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَإِذَا ظَهَرَ الثَّمَنُ مُسْتَحَقًّا فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا بَطَلَ الْبَيْعُ وَالشُّفْعَةُ، وَلَا أَبْدَلَ وَبَقِيَا؛ وَإِنْ دَفَعَ الشَّفِيعُ مُسْتَحَقًّا لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ إنْ جَهِلَ؛ وَكَذَا إنْ عَلِمَ فِي الْأَصَحِّ؛ وَتَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي فِي الشِّقْصِ كَبَيْعٍ وَوَقْفٍ وَإِجَارَةٍ صَحِيحٌ، وَلِلشَّفِيعِ نَقْضُ مَا لَا شُفْعَةَ فِيهِ كَالْوَقْفِ، وَأَخَذَهُ، وَيَتَخَيَّرُ فِيمَا فِيهِ شُفْعَةٌ كَبَيْعٍ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْبَيْعِ الثَّانِي أَوْ يَنْقُضَهُ أَوْ يَأْخُذَ بِالْأَوَّلِ‏.‏

وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعُ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ صُدِّقَ الْمُشْتَرِي وَكَذَا لَوْ أَنْكَرَ الشِّرَاءَ أَوْ كَوْنَ الطَّالِبِ شَرِيكًا، فَإِنْ اعْتَرَفَ الشَّرِيكُ بِالْبَيْعِ فَالْأَصَحُّ ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ، وَيُسَلَّمُ الثَّمَنُ إلَى الْبَائِعِ إنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِقَبْضِهِ وَإِنْ اعْتَرَفَ فَهَلْ يُتْرَكُ فِي يَدِ الشَّفِيعِ أَمْ يَأْخُذُهُ الْقَاضِي وَيَحْفَظُهُ‏؟‏ فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي الْإِقْرَارِ نَظِيرُهُ‏.‏

وَلَوْ اسْتَحَقَّ الشُّفْعَةَ جَمْعٌ أَخَذُوا عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ، وَفِي قَوْلٍ عَلَى الرُّءُوسِ، وَلَوْ بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نِصْفَ حِصَّتِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ بَاقِيَهَا لِآخَرَ فَالشُّفْعَةُ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ لِلشَّرِيكِ الْقَدِيمِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ عَفَا عَنْ النِّصْفِ الْأَوَّلِ شَارَكَهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ فِي النِّصْفِ الثَّانِي، وَإِلَّا فَلَا‏.‏

وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَوْ عَفَا أَحَدُ شَفِيعَيْنِ سَقَطَ حَقُّهُ، وَتَخَيَّرَ الْآخَرُ بَيْنَ أَخْذِ الْجَمِيعِ وَتَرْكِهِ، وَلَيْسَ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى حِصَّتِهِ، وَأَنَّ الْوَاحِدَ إذَا أَسْقَطَ بَعْضَ حَقِّهِ سَقَطَ كُلُّهُ‏.‏

وَلَوْ حَضَرَ أَحَدُ شَفِيعَيْنِ فَلَهُ أَخْذُ الْجَمِيعِ فِي الْحَالِ فَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ شَارَكَهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ تَأْخِيرَ الْأَخْذِ إلَى قُدُومِ الْغَائِبِ‏.‏

وَلَوْ اشْتَرَيَا شِقْصًا فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ نَصِيبِهِمَا وَنَصِيبِ أَحَدِهِمَا، وَلَوْ اشْتَرَى وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ فَلَهُ أَخْذُ حِصَّةِ أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ فِي الْأَصَحِّ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الشُّفْعَةَ عَلَى الْفَوْرِ، فَإِذَا عَلِمَ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ فَلْيُبَادِرْ عَلَى الْعَادَةِ فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ غَائِبًا عَنْ بَلَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ خَائِفًا مِنْ عَدُوٍّ فَلْيُوَكِّلْ إنْ قَدَرَ، وَإِلَّا فَلْيُشْهِدْ عَلَى الطَّلَبِ، فَإِنْ تَرَكَ الْمَقْدُورَ عَلَيْهِ مِنْهُمَا بَطَلَ حَقُّهُ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

فَلَوْ كَانَ فِي صَلَاةٍ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ طَعَامٍ فَلَهُ الْإِتْمَامُ، وَلَوْ أَخَّرَ وَقَالَ لَمْ أُصَدِّقْ الْمُخْبِرَ لَمْ يُعْذَرْ إنْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ، وَكَذَا ثِقَةٌ فِي الْأَصَحِّ، وَيُعْذَرُ إنْ أَخْبَرَهُ مَنْ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ‏.‏

وَلَوْ أُخْبِرَ بِالْبَيْعِ بِأَلْفٍ فَتَرَكَ فَبَانَ بِخَمْسِمِائَةٍ بَقِيَ حَقُّهُ، وَإِنْ بَانَ بِأَكْثَرَ بَطَلَ، وَلَوْ لَقِيَ الْمُشْتَرِي فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، أَوْ قَالَ بَارَكَ اللَّهُ فِي صَفْقَتِك لَمْ يَبْطُلْ، وَفِي الدُّعَاءِ وَجْهٌ‏.‏

وَلَوْ بَاعَ الشَّفِيعُ حِصَّتَهُ جَاهِلاً بِالشُّفْعَةِ فَالْأَصَحُّ بُطْلَانُهَا‏.‏